المقالات
مقالات د. عبدالله الحريري
عندما يمرض الجسد من سلبياتنا
عندما يمرض الجسد من سلبياتنا
12-30-2011 06:26




مما يثير العجب تعوّد العرب على عادة معرفية عند كتابة التاريخ وسرد القصص والروايات والشعر والسوالف، تلك العادة تقوم على إبراز الجوانب المثيرة للألم والحزن واليأس والمؤامرات والتعاسة ووصف الأمور السلبية بشكل كارثي. ومع مرور الوقت أصبح هناك بناء معرفي سلبي انعكس على حديث الناس وسلوكهم واعتلت أبدانهم من كثر ما يسمعونه من أحداث سلبية وكوارث وقضايا يتم تناولها من الجانب السلبي في وسائل الإعلام، حتى الأفلام أصبحت تتناول تعاستنا وجعلتنا في حالة من الحزن والبكاء على حالنا.
الغريب في الأمر أن القرآن الكريم والحديث النبوي، والإسلام بصفة عامة يختلف من تلك النظرة المعرفية السلبية فكثيراً ما يؤكد على الحب وعدم الشك وسوء الظن ويدعو إلى التفاؤل وبناء الأرض بالمحبة والتآلف وعدم رفض الآخر وأكد على أن مشكلاتنا ليست من الآخرين بقدر ما هي من أنفسنا ونتيجة ممارستنا المعرفية والسلوكية، وأن الشعوب الأخرى تشاركنا الأرض والماء والهواء والمشكلات والممارسات الفردية تخص أفرادها ولا تزر وزارة وزر أخرى، وأن الله ينظر إلى البشر على حد سواء نظرة الرحمة والغفران ... إلخ من القيم السماوية التي ترقى بالإنسان نحو الإيجابية والسمو. وبقدر ما نعيش في بيئية تعج بالنظرة السلبية، بقدر ما تمتص أجسادنا تلك السلبيات كما تمتص الإسفنجة الماء، ونختزن تلك السلبيات في عقولنا وتنعكس على سلوكياتنا وتتحول إلى اللا شعور ونصبح أكثر الشعوب المصابة بمرض الاكتئاب والقلق وأكثر الشعوب تعاطيا للمهدئات ومضادات الاكتئاب والمخدرات، ومما يزيد الأمور سوءا أن الجسم البشري عندما يعيش في مثل تلك البيئة البائسة الحزينة يمرض بالأمراض المزمنة كالضغط والسكري والسرطانات، ويشعر الإنسان بأن جسمه منهك دائم التعب، ويترتب على ذلك تأثير واضح لجهاز المناعة وضعفه في مواجهة الأمراض الموسمية والفيروسية وغيرها.
هناك حقيقة أخرى وهي الانحياز والتركيز على قضايا لا تقبل الجدلية كالموت والقضاء والقدر وانشغال الكثير من الناس بها كنوع من الرفض لواقع محتم مما ينعكس على أفكارهم وسلوكهم ويعيشون دوامة الإحباط، فمن الصعب ألا نخاف من الموت لأنفسنا ولمن تربطنا بهم علاقات حميمية، ومن الطبيعي إذا تحدثنا عنه أن نخاف ونكتئب ولكن يفضل أن نشغل أنفسنا بما طلبه الله منا عندما جعلنا خلفاءه على هذه الأرض، وألا ندفع بأنفسنا إلى الانتحار البطيء.

www.aleqt.com/2006/10/07/article_6634.html

تعليقات 0 | إهداء 0 | زيارات 376


خدمات المحتوى


د. عبدالله الحريري
د. عبدالله الحريري

تقييم
3.38/10 (17 صوت)

Powered by Dimofinf cms Version 3.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Inc.