فن الزحلقة
12-30-2011 06:35




المملكة تتوارث سلوك (المحولجي) في الإدارة، وهذا الإنسان هو مصري بسيط مهمته تحويل مسار سكة الحديد حسب جدول اتجاه القطارات. وبالرغم من بساطته إلا أن الدور الذي يقوم به ممكن أن يؤدي إلى كارثة إذا لم يكن "صاحي" أو مخه غير مبرمج بشكل نمطي، فليس المطلوب منه أكثر من ذلك الدور لأنه إذا قصر أو زاد على دوره قد "يلخبط" المعادلة.
الغالبية من مديري القطاع العام ومؤسساته أشبه ما يكونون بـ (محولجيين) يخافون من اتخاذ القرار ومن تحتهم تعودوا على سلوك الخوف من المسؤولية، وتكوّن ما يسمى هرم الخوف والهروب من المسؤولية، فأصبح دورها بعيداً عن صنع القرار والتطوير وحل المشكلات إلى تحويل و"زحلقة" المعاملات، وليس لدى الموظف مشكلة إذا تأخرت المعاملة أسبوعا أو شهرا أو سنة، المهم أنه تخلص منها و"زحلقها" إلى موظف آخر يتورط فيها. ولكن الآخر عادة ما يكون رئيس قسم أو مدير إدارة أو مديرا عاما وتعلم من مدرسة الزحلقة أن يكمل سيناريو الزحلقة بعبارات "حسب النظام"، "لإكمال اللازم"، و"نظراً للمصلحة العامة".
في الكثير من الوزارات وما يتبعها من إدارات أصبحت اللوائح والأنظمة مجرد نصوص جامدة أكل عليها الدهر وشرب دون تجديد وفضل سادة إدارتها خرقها والتمرد عليها بإصدار الكم الهائل من التعاميم التي تنسخ ما قبلها، وصار عندهم لخبطة ما بين القانون أو النظام الذي عادة لا يصدر إلا بقرار من مجلس الوزراء وبتوجيه الجهات التشريعية والخبراء، لأنه نظام يجب أن يصدر بقوة الدولة حتى لا يخترق، وبين تعميم يصدر من مكتب المسؤول الفلاني من باب ترميم ما يمكن ترميمه فبدلاً من (أن يكحلها يعميها) وهنا أتساءل ما حدود الوزير ومن تحته حتى يترك لهم حرية دفع الناس ومصالحهم ومصالح البلد في بحر متلاطم من التعاميم والقرارات، التي أغلبها لا تخرج عن الفكر الشخصي والذكاء الاجتماعي، أعتقد أن هذا هو دور الجهات الرقابية وهيئة الإصلاح الإداري ومجلس الشورى ليمارسوا صلاحياتهم في تعميق الدور المؤسساتي المدروس لفعاليات الدولة ليصبح البلد بلد النظام والقانون.
المفارقة العجيبة في حكاية "المحولجي" أن المحولجيين عندنا يتكلمون باسم الدولة والنظام وليس لديهم الرغبة في حل المشكلات وتسهيل المعاملات ويعقدونها ويطفشون الناس ويتفننون في أساليب الزحلقة والتحويل و(ينصب) كل واحد منهم نفسه على الصغيرة قبل الكبيرة في دائرة عمله، ولو كان الأمر بيده لجمع صالات كل الدوائر والجهات تحت سيادته ويأتمرون بأمره المباشر ولكن المشكى على الله فقد لا تتاح له الفرصة فيحركهم بشكل غير مباشر ويبتسم في وجهك ابتسامة صفراء ويقول لك "أول خلص من تلك الجهات وبعدين تعال أعطيك ورقة مذيلة بتوقيعي لتمارس عملك البسيط وحقوقك المشروعة".
خادم الحرمين من زياراته هو وولي عهده إلى الخطاب الملكي "الرسالة" في مجلس الشورى وهم يسعيان جاهدين لفتح القلوب والأبواب لرفاهية الناس، ونجد في المقابل من لا يريدون أن يفهموا "الرسالة"، فكيف تحل المعادلة؟

www.aleqt.com/2006/04/15/article_4932.html

تعليقات 0 | إهداء 0 | زيارات 304


خدمات المحتوى


د. عبدالله الحريري
د. عبدالله الحريري

تقييم
1.00/10 (15 صوت)

Powered by Dimofinf cms Version 3.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Inc.