المقالات
مقالات د. عبدالله الحريري
إذا لم تستح زاحم الناس في أرزاقهم!
إذا لم تستح زاحم الناس في أرزاقهم!
12-28-2011 05:53




د. عبد الله الحريري
جمعتني بأحد الإخوة جلسة حوار حول الإيثار انطلاقا من الآية الكريمة: "ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة"، وكان محور الحديث حول وضعه حيث يتحدر من أسرة تعمل في التجارة منذ أكثر من 20 عاما، ولديهم أكثر من فرع تكسب مكاسب ممتازة، إلا أنه فضل مزاحمة طالبي العمل في الحصول على وظيفة من وظائف وزارة الخدمة المدنية، وحصل عليها وأصبح موظفا لا يتجاوز راتبه ستة آلاف ريال.
سألته: لماذا فضلت هذه الوظيفة لتأخذ نصيب غيرك من الفقراء والمحتاجين وذوي الدخل المحدود؟ فقال وظيفة الديوان أمان، فقلت أتدري أن أجرك اليومي لا يتجاوز 200 ريال لثماني ساعات دوام، وأنك تضيع وقتك في وظيفة محدودة الدخل مقابل تجارة بقدر ما تعطيها من الوقت تعطيك، وأن ثلث الرزق في التجارة؟ لكن كان الرد يدور حول الأمان والرزق ولا حياة لمن تنادي.
الشاهد في الموضوع أن أي مجتمع عادة ينقسم إلى فقير ومتوسط الدخل وعالي الدخل وأثرياء، وأن 40 في المائة من السكان في العالم يحصلون على 5 في المائة من الدخل العالمي والباقي للشرائح الأخرى، وأن ربع البشر يعيشون بلا كهرباء، ويموت طفل كل خمس ثوان بسبب الجوع والأسباب الأخرى المرتبطة به، وفي بلدنا تزيد البطالة، ولدينا فقراء، وهناك من هم مهددون بدخول السجون نتيجة ديون البنوك وغيرها، وأن ما يزيد على مليون في حاجة إلى سكن، وهناك من ينتظر العلاج بسبب الضغط الشديد على المستشفيات، وهناك من لا يحصل على الطعام الصحي لأن دخله محدود جدا ولديه التزامات، كل هذا في ظل مزاحمة من عائلات التجار والأثرياء على الخدمات المجانية والوظائف وغيرها من أمور تقدمها الدولة.
هناك تناقضات في المفاهيم، فأحدهم قد يدفع على ملذاته وولائمه وأهوائه الآلاف والملايين، وإذا قدمت الدولة خدمة أو فرصة مجانية زاحم الناس عليها وأخذ نصيب غيره وكأنه سيموت من الفقر أو ستهان سمعته إذا لم يفعل ذلك.
اليوم أولاد ذوي الدخل الأعلى من المتوسط والأثرياء ورجال الأعمال يزاحمون ويأخذون فرص الآخرين في الابتعاث والدراسة والجامعات الحكومية، بينما هم قادرون على دفع تلك المصروفات من أموالهم التي كسبوها من الوطن، ومنهم من أصبح ثريا من معاناة الآخرين ومن الأزمات، وفي شركاتهم ومؤسساتهم يحاربون السعودة، وأي فرصة لزيادة الأسعار لا يتركونها .. فأين العدل والمساواة؟!
وفي المجالس يشكون ويطلبون من الدولة ما يطلبه المحتاجون ومحدودو الدخل، ويا كثر انتقاداتهم ويا قل أفعالهم.
كيف لو قامت الدولة وفرضت ضريبة على الدخل واستقطعت ما كان يجب أن يدفعوه للبلد مقابل استغلالهم فرصا ليست أخلاقيا من حقهم.
العملية لم تكن محصورة على الوظائف وفرص التعليم والإسكان والمنح، بل زاحموا ووسطوا للحصول على العلاج في أحسن المستشفيات الحكومية.
أعتقد إذا لم تردع الأخلاق والقيم والإيثار أولئك فلن تستطيع الدولة الوفاء بحقوقها تجاه المواطنين المحتاجين والأكثر احتياجا، وسيصعب على الدولة خلق توازن بين مكونات المجتمع، بل ستزيد من الفجوة وسيستمر المحتاج محتاجا والثري أكثر ثراء.
يجب أن تعالج الدولة ارتباط مفهوم الأمان الوظيفي والحياتي بالوظيفة الحكومية وإلا لن تحل مشكلة البطالة، فمن توظفوا في القطاع الأهلي ما زالوا يمسكون بقوائم الوظائف التي يعلنها ديوان الخدمة المدنية لأنهم لا يثقون بقدرة وردع نظام العمل، وأنه لا يختلف عن نظام الخدمة المدنية، بل قد يفوقه لما حصل عليه من تعديلات تحق الحق والحقوق الوظيفية.
يجب أن تكون هناك شفافية وصرامة مع بعض رجال الأعمال تقوم على المصالح المشتركة وليست على المواطنة والأخلاقيات، لأن الواقع يخالف ذلك، حيث النهم والشراهة والمزاحمة واستغلال الفرص، والتي ليس لها إلا بقانون ينظم عملية استقطاع تلك المبالغ من دخولهم.

تعليقات 0 | إهداء 0 | زيارات 416


خدمات المحتوى


د. عبدالله الحريري
د. عبدالله الحريري

تقييم
1.00/10 (11 صوت)

Powered by Dimofinf cms Version 3.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Inc.