المقالات
مقالات د. عبدالله الحريري
من المستفيد من تهديد السلم الأهلي والاجتماعي؟
من المستفيد من تهديد السلم الأهلي والاجتماعي؟
02-14-2012 05:27

الهرم الذي وضعه العالم (مازالو) للحاجات الإنسانية أتى الأمن الجسدي والصحي وأمن الممتلكات والموارد والأمن الأسري والوظيفي في المرحلة الثانية في سلم الحاجات بعد الأمن الفسيولوجي كتناول الطعام والشراب والنوم... إلخ.

في الإسلام جاء في الحديث الشريف قول الرسول الكريم: ''من أصبح منكم آمنا في سربه معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها. وعلى ضوء ذلك نجد أن الأمن بمفهومه الشامل عندما يتحقق تتحقق معه السعادة والرفاهية والتطور وأن الإنسان إذا بقي في مرحلة الصراع لتحقيق الأمن فسيكون في مرحلة بدائية من السلوك والتفكير ولن يرقى إلى مراحل البناء الحضاري، الصداقة والعلاقات الأسرية واحترام وتقدير الذات ثم الابتكار وتوفير البدائل للمشكلات.

هذا يقودنا إلى أهمية المفهوم المتداول عن السلم الأهلي والاجتماعي وأهميته في استقرار المجتمعات وعلاقته بتوفير واستتباب الأمن الشامل الذي يشمل الجوانب الصحية والغذائية والوظيفية وغيرها.

اليوم مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام الجديد بدأت تظهر ما نسميه حرية التعبير اللاأخلاقية وغير المنضبطة نتيجة القصور الواضح في مفهوم حرية التعبير وأصبح المعيار الغوغائي والمجالسي وانفلات التعبير، يسيطر على أغلب مساحة التواصل ووسائله المختلفة، ولم يعد هناك سقف واضح لحدود الحرية وقانونيتها، وهي أشبه ما تكون بحرية الغاب عندما يكون هناك تهديد أو إشباع للحاجات الأساسية.

الكثير من الدول التي نعتبرها رائدة وداعية للحرية، في الحقيقة تقوم بوضع قيود وحدود لهذه الحرية، على سبيل المثال القانون الفرنسي يمنع الكتابة أو الحديث العلني الذي يؤدي إلى حقد وكراهية أو تمييز وأيضا مثله القانون الألماني، وكذلك القانوني الكندي وغيرها من القوانين التي سنتها البلدان التي يعتبرها البعض مهبط الحرية وفجرها.

المهم في هذه الجزئية هو ملاحظة أن هذه الدول والتي كما يعرف لا يحكمها دين استشعرت أهمية أخلاقيات التعبير، وأنها يجب ألا تكون دون حدود وقوانين وضوابط، وهذا بطبيعة الحال للمحافظة على السلم الأهلي والاجتماعي وأن تلك الدول لا يمكن أن تكون دولا منتجة وذات قوة اقتصادية وعلمية وإبداعية دون استقرار وهذا يعني الأمن بمفهومه الشامل والمتكامل.

إن الرعاع ـــ إذا صح التعبير ـــ من الأشخاص والحمقى والمتطرفين لفكر ما الذين لا يدركون عواقب الأمور ويعيشون أحلام (فنتازيا) الحريات غير المسؤولة هم من يقود المجمعات إلى الفوضى وعدم الاستقرار بل والغوغائية، وبالتالي فإنهم في أي مجتمع يعتبرون الشرارة التي تهدد السلم الأهلي والاجتماعي، وفي المقابل فإن الحكماء والعقلاء وأصحاب الحوار والبناء المنطقي والعقلاني وقادة الفكر المعتدل، هم من يدرك حدود التعبير وأخلاقياته وقوانينه وأعرافه وهم بالتالي من يقوم ببناء السلم والطمأنينة في المجتمع بل وحمايته.

أعتقد نحن الآن في حاجة إلى صياغة استراتيجية وطنية للسلم الأهلي والاجتماعي، تضع الأطر الأخلاقية والفكرية والعقائدية والقيمية، وأيضا العرفية المستمدة من العادات والتقاليد الخاصة بكل مجتمع لتوفير مفهوم السلم الأهلي والاجتماعي وأثره في تحقيق الأمن والاستقرار والنمو والتطور والتلاحم والعيش المشترك وتقنن من خلالها الأحكام والواجبات والمسؤوليات والحدود، وكل ما يهدد السلم والأمان في المجتمع خاصة تلك الدعوات التي تنادي بحرية التعبير وإبداء الرأي وهي في الحقيقة تريد النيل من الدين وثوابتنا وقيمنا وأعرافنا الراسخة.

أعتقد أن أفضل بيئة ومكان لإعداد هذه الاستراتيجية هو مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني، وذلك للدور الذي يقدم به مفهوم الحوار الوطني.

إن التأكيد على السلم الأهلي والاجتماعي وتأصيله بين أفراد المجتمع بات اليوم أكثر حاجة، ولعل الوقت الآن يتطلب سرعة إعداد هذه الاستراتيجية بما يتبعها من خطط تنفيذية تفصيلية للتطبيق على أرض الواقع.


نشر المقال في صفحة الرأي في جريدة الاقتصادية
http://www.aleqt.com/2012/02/14/article_626398.html

تعليقات 0 | إهداء 0 | زيارات 332


خدمات المحتوى


د. عبدالله الحريري
د. عبدالله الحريري

تقييم
1.00/10 (15 صوت)

Powered by Dimofinf cms Version 3.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Inc.