المقالات
مقالات د. عبدالله الحريري
الطريق يكشف النفوس المضطربة
الطريق يكشف النفوس المضطربة
04-16-2013 12:06



الذي نشاهده يوميا على طرقاتنا من بعض الممارسات والأخطاء والمخالفات جديرة بالتوقف عندها ودراستها والتعمق في الأسباب وكل ما ينتج عنها. لقد ضاقت النفوس وباتت سريعة التوتر والغضب، وبتنا نسمع كل يوم بحادث تصادم بسيط تحول إلى عراك أدخل أحد الأطراف إلى المستشفى، بل تمر علينا مشاهد تكاد تكون شبه يومية حول خصام وملاسنة بين أشخاص، بسبب تجاوز أحدهم بسيارته أو بحجة أنه سقط عليه، وهذا يحدث في وسط الطريق، ما يعني تعطيل حركة السير والتسبب في الزحام واختناقات مرورية. الوضع تجاوز -مع الأسف- الملاسنة والخصام العابر ووصل إلى عراك يستخدم فيه أحيانا هراوات يتم وضعها في السيارة تحسبا لمثل هذه الحالات، بمعنى هناك سبق إصرار وترصد لأي موقف عابر قد يحدث من الآخرين فيتم استخدام هذه العصي والهراوات، وبالفعل وفي أكثر من مرة سمعنا عمن تم ضربه على الرأس وأدخل على إثرها المستشفى، بل المؤلم بحق أن يمتد الحال ويصل إلى استخدام السلاح الناري -وإن كان محدودا- إلا أنه وقعت حوادث وتم النشر عنها من هذا القبيل، والسبب الذي يتم سياقه كمبرر لهذه الحالة من الانفعال العصبي أنه تعرض له الآخر وأخطأ عليه أثناء قيادة سيارته، فنزل من سيارته واعتدى عليه أمام زوجته وأطفاله.

لن أحدثكم عن المخالفات المرورية اليومية التي تقع أمامنا وتشعرنا بالألم، وفي اللحظة نفسها بالخوف أن تكبر مثل هذه المخالفات والتجاوزات وأن تنتشر في المجتمع. للدلالة على ما أريد أن أوصله، لدي في هذا السياق تساؤل بسيط، من منا جميعا في يوم خرج بسيارته وأثناء قيادته لم يشاهد تجاوزا خاطئا؟ أو لم ير قطع إشارة؟ أو تجاوز السرعة المحددة؟ أو عكس الطريق؟ أو حتى رمي النفايات من نافذة السيارة أمام الجميع؟ أو وقوفا على خط المشاة عند الإشارات الضوئية؟ أو موقفا عرضيا يتم الوقوف فيه طوليا أو ممنوع الوقوف ويتم الوقوف.. إلخ. من منا لا يشاهد هذه المخالفات يوميا؟. لن أذهب للتفحيط وتضييق الطريق عليك بشكل سافر ومتعمد واستفزازي، فقط لأنك ضربت بوق السيارة لتنبيه من يقود سيارته بجانبك أن ينتبه لوجودك، فينعطف عليك متعمدا وهو يضحك. لن أحدثكم عن ظاهرة عندما تضيء الإشارة الخضراء تبدأ ثلاث أو أربع سيارات بالتوقف في وسط الخط لحجز السيارات وإيقاف حركة السير تماما، والسبب لتقوم سيارة أخرى بالتفحيط وسط الطريق وهو خال من السيارات، ووسط تجمهر كثيف وزحام كبير، وهي أمور جميعنا نعلمها وسمعنا بها، بل وشاهدناها على مواقع عدة من شبكة الإنترنت.

أعتقد أن هذه المشاهد التي توضح كل هذا الاستهتار بأرواح وممتلكات وأوقات الناس، وكذلك الاعتداء وسرعة الغضب والنرفزة ومد الأيدي، فيها دلالة واضحة على خلل كبير في التربية والتعليم، فضلا عن غياب تام لدور التربية المنزلية، بل وخلل في مؤسسات المجتمع المناط به القيام بالتهذيب وتلقين القيم والمبادئ السوية النبيلة.

المشكلة الأخرى أنه jحدث مقاومة ورفض لأي عملية ضبط ورصد لمثل هذه التجاوزات، ولعل خير مثال في هذا السياق عندما تم تركيب كاميرات المراقبة المرورية -ساهر- وكيف حدث هجوم عليها وعلى مشروعها ووصفها البعض بأنها نظام جباية وغيرها، والسبب أن هذه الكاميرات ترصد مخالفاتهم المرورية وانتهاكاتهم ضد الآخرين خلال قيادتهم سياراتهم، هؤلاء الذين هجموا على نظام المراقبة المرورية ورفضوه، تجدهم أول الناس انضباطا وتقيّدا بالأنظمة المرورية في دول أخرى، بل دول قريبة منا، لأنهم يعلمون أن تلك الشوارع منتشرة فيها الكاميرات ليس عند الإشارات الضوئية فحسب، وإنما على امتداد الطرق وفي الأسواق ومراكز الترفيه وفي كل موقع يشهد تجمعا بشريا، وذلك لضبط السلوكيات المخلة أو التجاوزات غير المهذبة أو أي محاولة لمضايقة الآخرين. نحن بتنا بحاجة لمثل هذه الكاميرات، وفي اللحظة نفسها بحاجة لسن قوانين واضحة ورادعة، أو تفعيل الأنظمة في هذا السياق وتطبيقها على المستهترين الذين يحولون شوارعنا لميدان لتعاليهم وغطرستهم، وأيضا لغضبهم ولاضطرابهم النفسي وضيقهم بالآخر، نحن بحاجة لإعلام يوعي وينشر قصص شباب يقضون سنوات طويلة من أعمارهم خلف القضبان، لأنهم دخلوا في مشادات وعراك، والسبب تافه وبسيط ولا يذكر، فنتج عن حالة الغضب تلك عاهات وإصابات بليغة لآخرين. نحتاج أن ندق ناقوس الخطر في كل بيت أن الإهمال في حسن تربية أطفالنا هو ضياع لعمرهم وشبابهم، لأن الانفلات واللا مسؤولية لا تعني الرجولة ولا تعني التميز. ويفضل ألا نعتمد على العنصر البشري في الرقابة السلوكية في الشوارع وأماكن التجمعات، وأن ننشر التقنيات الخاصة بالمراقبة الإلكترونية أولا للردع وثانيا للتوثيق والمحاسبة.

----------------------------------------------
تم نشر المادة في صفحة الراي جريدة الاقتصادية

http://www.aleqt.com/2013/04/16/article_747851.html

تعليقات 0 | إهداء 0 | زيارات 358


خدمات المحتوى


د. عبدالله الحريري
د. عبدالله الحريري

تقييم
1.00/10 (19 صوت)

Powered by Dimofinf cms Version 3.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Inc.