المقالات
مقالات د. عبدالله الحريري
التطعيم ضد مرض المناصب!!
التطعيم ضد مرض المناصب!!
12-28-2011 06:30



د. عبد الله الحريري

يخاف ولا يعرف مصدر خوفه، دائماً في حالة من الصراع والغضب على نفسه وعلى من هم حوله، زوجته وأولاده أول المعانين ويلاحظون عليه الكثير من التغيرات الانفعالية والمزاجية، علاقاته الاجتماعية الحميمة تبدأ في الانحسار، إذا كان مدخناً يزداد شراهة وتبدأ عليه ملامح الإرهاق والتعب ونادراً ما يخلو من أحد الأمراض المزمنة كالضغط والسكري أو القولون العصبي وبعض اضطرابات القلب، لقد كان إنساناً في حاله، في نفسه، ويستمتع بطعم الحياة ويسافر متى يشاء ويؤدي واجباته ولديه أهداف واضحة في الحياة إلى أن تولى "المنصب"!
نسمع كثيراً عن أسطورة لعنة الفراعنة، وكما يبدو تلك الأسطورة ستنال من كل صاحب منصب في المملكة فحياته تنقلب رأساً على عقب عندما يعين في المنصب وتلاحقه لعنة المنصب في كل شؤون حياته، وعندما يعين تأتيه نشوة المنصب وتكثر التهاني والتبريكات ويلتم حوله أصحاب المصالح والمنتفعين والهتيفة والمرتزقة.
ويتوقع أن المنصب تشريف وبعد وقت يفاجأ بأنه تكليف، ولأن التعين على المناصب القيادية والإدارية لا يخضع لقوانين ومعايير محددة في مجتمعنا فالناس الُمنصبون على المناصب يمكن أن تصنفهم إلى فئتين فئة تنصب بالواسطة والعلاقات الأسرية والحسب والنسب وتلعب المحسوبية والانطباعات الشخصية دورا كبيرا في تعيينهم نتيجة لمصالح معينة وعادة ما يفرضون على أي مؤسسة أو نظام على الرغم من ضعف كفاءتهم وقدراتهم وإمكانياتهم وما يتمتعون به من سمات شخصية لا تتناسب مع تلك المناصب والمؤسسات التي يتولون قيادتها، وهؤلاء في واد وغيرهم في واي آخر، وفئة أخرى من العصاميين المخضرمين المؤهلين بالعلم والخبرة والفكر الذين خدمتهم أفعالهم ووضوح أهدافهم وسيرهم الذاتية وإبداعهم ووضوح الرؤية لديهم وقلبهم على البلد، عندما يكرمهم ربهم ويتولون أحد المناصب ويفرح الواحد منهم أن هذه فرصة سيقدم من خلالها كل إمكانياته وخبراته ومؤهلاته ويفني نفسه في العمل وينسى نفسه وعياله ثم فجأة تتغير أحواله ويصبح دائم التوتر والغضب والمشكلات الصحية نتيجة الضغوط التي تنهال عليه، والتي ليست لها علاقة بعمله بل بشخصه، ويبدأ مقاومو التغيير وخفافيش المكاتب والغيورون من النجاح والحاسدون بإعداد سيناريوهاتهم المحترفة في بث الشائعات والهمز واللمز ورمى العقبات تلو العقبات والتفرج عليه وتقديم الأفكار التي في ظاهرها خدمة الناس وإنجاح العمل ولكن في باطنها عكس ذلك ليضعوه في مواقف محرجة أمام الناس والإعلام وما دام غير مسنود فالله يعينه، مما سينهال عليه من انتقادات ليس له فيها ناقة ولا جمل وإنما هي من فعل من يعملون لديه خلف الكواليس المعتمة وممن لا يريدون لهذا البلد الخروج من الظلام إلى النور والتطور والنمو وتبدأ عليه نتيجة تلك الضغوط عدم الشعور بالأمان والقلق على مستقبله ومستقبل البلد وعلى صحته وتنتابه مشاعر الحزن والألم والغضب فتشتت أهدافه وأفكاره ويحاول أن يقف موقف المدافع عن حقوقه وأفكاره إلى أن تستنزف قدراته ليطاح به وبمؤسسته.
في الحقيقة إذا لم يكن هناك معادلة ومعايير واضحة تفرق بين التعيين والترشيح للتعيين فإن رأس الهرم الإداري في أغلب المؤسسات سينهار وستنهار قدراته وأداءه وإنتاجيته فكلا الفئتين السابقتين فئات خاسرة لأن كل فئة ستسعى إلى إرهاق الأخرى بأمور احترافية سلبية وإسقاطها من أجل أن تظهر على أكتافها وهذا الصراع يدور في حلقة نشطة من المؤشرات السلبية التي تؤثر وتتأثر ببعضها وتصبح هناك حالة من الإحباط والإزعاج والإهانة والتعدي تحرض الغضب غير الحميد عند الإنسان وتجعله عدواني أو منسحب لذا فإننا نحتاج إلى برنامج وطني تطعيمي ضد مؤثرات المناصب.

تعليقات 0 | إهداء 0 | زيارات 358


خدمات المحتوى


د. عبدالله الحريري
د. عبدالله الحريري

تقييم
1.00/10 (11 صوت)

Powered by Dimofinf cms Version 3.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Inc.