بكيت غصباً بكيت
12-29-2011 05:34
أعزائي .. الله يعين من يبني بيت وفلوسه قليلة، تصبح أحلام يقظته ونومه أسمنت وحديد ومشاكل عمال ومقاولين.
معاناة ما أقساها من معاناة، ليس لأن البناء أو عدم توافر المواد هي المشكلة وليس المشكلة في التمويل فمن يبني إما أن يقترض من بنك أو يتسلف من الناس أو يدفع من رواتبه وبعض ادخاراته .. المهم أن موضوعنا ليس التمويل ولكن عالم البناء وخفاياه، وكيف نهدر فلوسنا ونبتز في بلادنا دون تبرير.
عالم البناء في المملكة يُستحق أن يكتب فيها روايات، فما إن تدخل في هذا العالم إلا وتكتشف أنك عايش في عالم آخر من كثرة ما تعيش من إحباطات وتسيب وعدم رقابة ونصب واحتيال وقصور في أداء مؤسسات الدولة الرقابية، ويقودك التفكير إلى مخاوف كارثية على الأمن والاقتصاد والمجتمع.
سوق سوداء، مضاربات ومزايدات، تستر وسحت وإتاوات، عمالة بأعداد كبيرة دون وثائق قانونية، أخرى تحمل أمراض فيروسية وبائية تسرح وتمرح، تحالفات على المواطن وحراج عليه، وعلى فلوسه في وضح النهار، تعاملات ومعاملات بمشاركة مواطنين خلف الكواليس ومن تحت الطاولة، مواطنون وضعوا أسماءهم على لوحات مؤسسات، وفي أوراق رسمية، ومن زود مواطنتهم تركوا الحبل على الغارب للغريب والغريب لم يكن أديبا، يلعب على كيفه بالأسعار ويكدس المواد في المستودعات للمزيد من المزايدات وصاحبنا المواطن الذي يدعي أنه موزع يقدم الحماية والدعم للغريب بالتصريحات الرنانة عن الأسعار والبورصة والحكاية طبخة بصلصة كاري منتهية الصلاحية، ومع الفجر تبدأ قصص أخرى لعمالة سائبة إقامتهم في أحواش من زنك أشبه بمستعمرات مغلقة أو عمائر قيد الإنشاء يتنقلون من مبنى إلى آخر حاملين أغراضهم على ظهورهم، يجتمعون على حبة تميس ويشربون من برادات المياه الخيرية، ويقضون حاجتهم في دورات مياه المساجد وتفرقهم المصالح، من يحمل الإقامة منهم هو "البيج بوص" أو "الباش مهندس"، مسمى المهنة في الإقامة مدرس، عامل، مزارع، راعي، محاسب، إلى آخره .. ظروف الحياة جعلتهم يتعلمون في بيوتنا وعلى حسابنا ويستخدمون من العمالة غير النظامية ويديرونها بجراءة غير مسبوقة، المهم الغاية هي المبرر للوسيلة.
يتمسكنون حتى يتمكنون وقادتهم خبراء في اللعب على حاجاتنا وطفرتنا وَرَضعوها لهم، وإذا تورطت معهم في عمل تغني "اللي شبكنا يخلصنا"، وتكثر من التمتمة بـ "يامن شرى له من حلاله علة" من كثرة الكذب والمراوغات، وإذا كنت غشيما ومتعافيا ودفعت مقدما فإما تحط يدك على قلبك أو الله يعوض عليك، وإذا كنت متفائل لتستنجد بالجهات الرسمية، فياليل ما أطولك، فهم جاهزون لإعطائك ما تشاء من جرعات النصح والتأنيب وتخرج مغسول المخ تتكلم مع نفسك مقتنعا بأن ما مر بك هو الصح، وأنت تستاهل وأنت الغلطان، وما عليك إلا أن تركب بسكليتة وتتنكر وتدور على صاحبك غلام الدين ـ رحمه الله ـ من فتح الله فلعل الله أن يفتح عليك.
هذه أول سلسلة من درجات سلم يقودك إلى المجهول وما فيه واحد منا إلا واردها، بس أول ما تحط رجلك على السلم تذكر معاناتك مع الخطوط السعودية، وبدل من أن تُغَنِّ في سلم الطائرة غَنِّ في سلم البيت بكيت غصباً بكيت.
www.aleqt.com/2008/07/14/article_12960.html
|
خدمات المحتوى
|
د. عبدالله الحريري
تقييم
|