بماذا نحتفل؟
12-29-2011 05:35
هذه الأيام يحتفل العالم باليوم العالمي للصحة النفسية ومنها المملكة، وعندما يحتفل العالم بيوم من الأيام الصحية فإن هذا يعني بالنسبة له ليس مجرد القيام بالطقوس المهرجانية كالتي تحدث لدينا بل هي مرحلة من مراحل التقييم والتطور والتدرج في المفاهيم، إضافة إلى ملامسة حقيقية للعوامل المؤثرة في نفسية الناس.
أما نحن في السعودية فبماذا نحتفل؟
نحن ما زلنا ندور في حلقة توفير سرير للمريض النفسي من عدمه، وما زلنا لا نفرق بين أنواع العلاج النفسي وتخصصاته وجدوى كل نوع لكل مرض، وأصبحت الأهواء والمصالح الشخصية وقوة السلطة تغلب على الأسس والنظريات والأبحاث والتجارب العلمية، وأصبحت ساحة العلاج النفسي مليئة بالمزايدين على المهنة ومهنة من لا مهنة له.
بالله عليكم بماذا نحتفل؟ هل نحتفل بأننا ما زلنا عاجزين عن توفير برامج تأهيلية للإخصائيين النفسيين غير الأطباء لتأهيلهم في فنون وتخصصات العلاج النفسي التي سبقنا بها العالم بعشرات السنين، أم نحتفل بأنه ليس لدينا برامج أو نظام وطني للصحة النفسية ولا جمعية مهنية لتخصصات العلاج النفسي أو حتى جمعية معترف بها للإخصائيين النفسيين العياديين، وأن هناك من يصادر حقوق الإخصائيين بحجة أنهم خريجو كليات غير طبية من باب أن الساحة يجب أن تكون لفئة واحدة دون أخرى بغض النظر عن المفاهيم والممارسات العالمية والعلم وحاجة الناس وتجارب الشعوب المتحضرة.
يجب أن نكون أكثر واقعية وعقلانية عندما نتطرق لوضع الصحة النفسية في المملكة وألا تجرفنا المناصب والمصالح لننصب أنفسنا مدافعين عن أمور ليست واقعية ونرى هل فهمنا وطبقنا على الأقل تعريف منظمة الصحة العالمية للصحة بأنها هي حالة من اكتمال السلامة بدنيا وعقليا واجتماعيا لا مجرد انعدام المرض أو العجز.. وهل وصلنا إلى تطبيق مفهوم أن الصحة النفسية ليست مجرد انعدام الاضطرابات النفسية، وأن الصحة النفسية تتأثر وتؤثر في العوامل الاجتماعية والاقتصادية والبيئية، وأن الصحة النفسية ينبغي لها الاعتراف وأن يكون لها دور في القضايا واسعة النطاق المتعلقة بتعزيز الصحة النفسية والعمل على معالجتها، وأن هناك تداخلات عالية المردود وقليلة التكلفة لرفع مستوى الصحة النفسية بين الناس ولكنها مهملة.. إلخ.
يجب ألا نندفع وراء أن لدينا كذا وكذا من العيادات والمستشفيات النفسية، وألا تكون ثقافتنا ثقافة خرسانية، بل يجب أن نقيم دورها وبرامجها وفعاليتها، وأيضا نموها وتطورها، وهل تحظى جميع الأدوار والتخصصات بدورها العلمي والعملي وهل أعطي العلم حقه من الرعاية والاهتمام والاحتضان لخدمة الصحة النفسية أم لا؟
لا أحب أن أدخل في التفاصيل والفوارق ما بيننا وبين العالم لخدمة الصحة النفسية، فالعملية موجعة ومحبطة، وما زلت أتساءل, ونخبة من الزملاء والكتاب لماذا التراجع والتدهور إلى هذا المستوى الذي لا يتناسب مع مكانة المملكة وحاجاتها ومتطلباتها التنموية وأمنها الشامل، ومن المسؤول عن ذلك التدهور خلال العشرين سنة حتى الآن، فالصحة النفسية منذ عشرين سنة مضت كانت تسير بخطى منظمة وسياساتها واضحة والطموحات كبيرة لدى الممارسين والأدوار أكثر وضوحا وتقديرا من الناحية العلمية والمهنية لدرجة أننا وصلنا آنذاك إلى تدريب إخصائيين نفسيين في علم النفس الإداري والصناعي، أليس هذا ما يدعو إلى العجب؟! ألا تعتقدون أن موضوع الاحتفال قد يخص شعوبا أخرى حتى نعيد ترتيب أوراقنا ومراجعة واقع الصحة النفسية ثم نحتفل بالإنجاز (اللي يبيض الوجه).
www.aleqt.com/2008/10/27/article_14090.html
|
خدمات المحتوى
|
د. عبدالله الحريري
تقييم
|