بيئة لا تحكمها قوانين!!
12-29-2011 05:38
نقضي ما يقارب ثلث أعمارنا في العمل، وتمثل بيئة العمل من البيئات المؤثرة جدا في حياتنا؛ لأنها مرتبطة بتحقيق الذات والأمان الحياتي والصحة العامة.
بيئة العمل عندما تكون متواضعة وصحية تنعكس على إنتاجية الوطن وتطوره، وتشجع على الإبداع والابتكار الذي يعود على مناشط الحياة كافة، وتدفع الدول إلى أن تكون متقدمة ومن الفئة الأولى بامتياز.
اليوم بيئتنا الوظيفية أو بيئة العمل بصفة عامة نادرا ما تكون صحية، وأهم دلائل ذلك عدم الرغبة في الذهاب للعمل، ومحاولات خلق الأعذار للتهرب من الدوام، والتسرب الوظيفي، والنوم في المكاتب، ومحاولة فعل أي سلوك يبعد الملل ويقضي على التعب، إضافة إلى حالة من الإحباط والتشتت لدى بعض الموظفين وعدم رغبتهم في تطوير مهاراتهم وقدراتهم.
اليوم بيئة العمل لا تحكمها قوانين سلوكية محددة، فالمدير الديكتاتوري أو صاحب المعتقدات الخاصة أو الذي يأتي محملا بمشكلات نفسية واجتماعية أو المتشكك والمتوجس وضعيف الشخصية والعدواني والآخر الموسوس والقلق وغيرهم من أصحاب السلوكيات غير الصحية يستطيعون أن يصولون ويجولون ويمارسون جميع عقدهم على أي مؤسسة والقوى البشرية من دون أي حدود أو حقوق، ويخلقون أنواعا من الصراعات والانعكاسات السلبية والسلوكية على بيئة العمل، وتصبح تلك البيئة أشبه بالسفينة التائهة في البحر، يقودها قبطان أخرق، وطاقم متصارع، وهذه أشبه ببيئة المدرسة غير المحببة إلى الطالب.. وكما يبدو أن هناك علاقة تربوية ونفسية بين ما تربينا عليه في المدرسة والجامعة وبين سلوكياتنا في العمل، نحن نعتقد خطأ أن إنتاجية مؤسساتنا سببها أمور غير سلوكية أو مصالح، ونتكلم عن الفساد الإداري من جانب مالي، وننسى أننا تلك البيئة المتوقع منها إنتاجية وكفاءة في الأداء والجودة هي مفككة من الداخل، وتعاني مشكلات أدت بها إلى أن تكون بيئة غير صحية وغير منتجة، العاملون لا يتمتعون بروح الفريق المتجانس المترابط، بل هم مجموعة يتصارعون حول قضايا وطموحات ورغبات شخصية، وكل واحد ينظر إلى الآخر نظرة توجس وريبة، ومن يملك المسؤولية يضغط على من لا يملكها، والشاطر من يأخذ حقه بالصياح والتهديد، وبمحبة المدير وقربه منه أو بشكل أدق بقدر ما يكون مستخدما ضد الآخرين من قبل المدير.
يجب ألا نتوقع أن شركات ومؤسسات العالم المتقدمة التي تقدم لنا أهم الاختراعات والتكنولوجيا المتقدمة وتحل مشكلات الناس الصحية وتسهل لهم الحياة، أصبحت كذلك من فراغ أو من خلال كائنات أتت من كواكب أخرى، بل كأن العامل البشري المتوافق مع بيئة العملية هو الأساس، ولم يتركوا الحبل على الغارب بل أسسوا لذلك تخصصات وخبراء في علم النفس الصناعي والإداري والسلوك الإداري، وأعطوا صلاحيات لمعالجة توترات وصراعات العمل، وتعديل سلوك وأفكار المديرين والعاملين ليكونوا فريقا متناغما يركز فقط على الإنتاجية والإبداع، ومسهمون في توفير أساليب الراحة وتقليل الضغوط الداخلية والخارجية، وقد أعجبت منذ أسبوع عندما قابلت أحد هؤلاء الخبراء في أهم شركات استقدام التكنولوجيا المتقدمة، يجتمع مع المديرين التنفيذيين ليدربهم ويقيم سلوكياتهم كنوع من الواجبات المجدولة وشديدة الأهمية لنظام تلك الشركات.
|
خدمات المحتوى
|
د. عبدالله الحريري
تقييم
|