عقدة الفلكة والخيزرانة
12-30-2011 05:17
بمناسبة اليوم العالمي للطفولة الذي كان يوم السبت الماضي، أظهرت دراسة لمركز أبحاث مكافحة الجريمة في وزارة الداخلية أن 45 في المائة من الأطفال السعوديين يتعرضون للإيذاء بشكل يومي سواء نفسي أو جسدي أو إهمال وحرمان معنوي ومادي والضرب بأدوات خطيرة والقذف بالأشياء التي في متناول اليد والتهديد، إضافة إلى السب بألفاظ قبيحة والتهكم.. إلخ.
المهم في هذا الأمر ليس الإيذاء بحد ذاته فالأمر معروف في جميع دول العالم، ولكن ما أحب أن أركز عليه هو ثقافة العنف والعدوان والإيذاء التي هي عبارة عن أفكار ومعتقدات وسلوكيات تدفع الأفراد إلى القيام بمثل هذه السلوكيات، فسوء معاملة الأطفال في مجتمعنا العربي والسعودي بالتحديد نابعة من ميراث أسري واجتماعي يشجع على العداءات ابتداء من العدوان اللفظي إلى الجسدي فنرى كثيرا من الأسر عندما يأتي ابنها إلى البيت وهو مضروب، حيث تحاول أن تعزز لديه سلوك الرد بالمثل وإذا لم يرد فإن الأب والأم يقلبن الدنيا ولا يقعدانها ويندفعان بحمق نحو أخذ الثأر، وفي المدرسة نعرف أن جيلنا تربى في البيت والمدرسة على (الفلكة والعصا) وبعض الآباء يتفنن في تهذيب وتلميع وتليين العصا، وإذا لم يكن المدرس أحمر العينين ويعتقد بأهمية الفلكة ومرخ الظهر بالطول والعرض بالخيزرانة، فليس إنسانا تربويا بل إن الآباء يؤكدون على أهمية الإهانة والضرب، وأعتقد أنه لا يوجد بيت إلا وتمارس فيه مثل تلك الأمور وتعتبر أمورا عادية يومية وجزءا من أساليب التعبير والتفاعل وعنصرا مهما من عناصر تربية البنت أو الولد، ونحن نعرف أن تلك الأساليب يُعتقد أنها هي التي تجعل الطفل رجلا.
إذن، لماذا بدأنا في المملكة في السنوات الأخيرة نهتم بالموضوع؟ في الحقيقة أن الجانب الإعلامي أبرز مثل تلك القضايا، إضافة إلى اهتمام المملكة بحقوق الإنسان، ولكن المبالغات والاندفاعات في تطبيق المفاهيم الحقوقية في مجتمع مثل مجتمعنا له خصوصية ثقافية وسلوكية كأي مجتمع قد تخلق نوعا من ردة الفعل غير الإيجابية أو عدوانا مضادا إذا لم تطبق تدريجيا، ويسبقها وعي فردي وأسري واجتماعي بأهمية الحقوق، وماذا تعني التوكيدية ومهارات الحوار والمهارات الاجتماعية وربطها بالقيم الدينية والاجتماعية الفاضلة؟ وكيف يتعامل الإنسان مع عدوانه وغضبه والتوتر الاقتصادي والزوجي والاجتماعي وأن عليه عدم طرح تلك الأمور في شكل إيذاء للغير، وكيف نعلمه وندربه عندما يكون صاحب سلطة سواء أسرية أو غيرها ألا يستأسد على من هو مسؤول عنهم أو يرعاهم، وما هي حدود الحقوق الإنسانية؟ ولدينا مؤشرات كثيرة تدل على عدم معرفة أو جهل الكثير بحقوق الآخرين، ويمكن أن نرى تلك النتائج في ازدياد حالات الخلع وإصرار الزوج على إيذاء الزوجة ثم أطفالها، إضافة إلى الكثير من السلوكيات الصغيرة، كما يحدث في شوارعنا من تجاوزات مرورية وعدم احترام لحق الآخرين، وهكذا من الأمور الكثير، التي هي في الأخير منظومة من السلوكيات والأفكار تؤدي إلى الإيذاء والعدوان، وفي ضوء ذلك يجب أن نكثف ونركز على زيادة الوعي قبل الاندفاع في التطبيق، فما أخشاه أن يتولد صراع بين فئة جماعات حقوق الإنسان والقوانين من جهة وبين فئات من أفراد المجتمع الذين يحتاجون إلى المزيد من الوعي والإيمان والاعتقاد بالحقوق، وأن تعالج مثل تلك الأمور بأسلوب هادئ وخصوصي وسري.
www.aleqt.com/2008/11/03/article_14193.html
|
خدمات المحتوى
|
د. عبدالله الحريري
تقييم
|