ما يفل الفساد غير الحديد!
12-30-2011 08:14
جميعنا نعلم أن الفساد لا ينحصر في موظف فاسد يتلقى رشوة لتمرير معاملة تخالف النظام، أو تقديم تسهيلات والقفز على الضوابط والتنظيمات، كما أنه لا يقف عند مسؤول يصّعب الإجراءات ومعاملات الناس ليشعر بتهافتهم عليه وطلب الواسطات لمقابلته للفوز بتوقيعه وتعميده لمن يلزم بتسهيل وإنهاء معاملة المواطن المذكور، فيرضي غروره وشعوره بالنقص.
الفساد له أوجه وأشكال، كما أن العقول المريضة تخترع كل يوم شكلا جديدا وطريقة مبتكرة، والعنوان العريض لكل هذه المحاولات هو تجاوز حقوق الآخرين والاستهتار بالأنظمة والقوانين.
ويمكن في هذا السياق استعراض العشرات العشرات من الأساليب والطرق التي تنم عن فساد إداري يحتاج إلى وقفة ومعالجة فورية.. ومن هنا نعلم بُعد الرؤية لخادم الحرمين الشريفين عندما أصدر أمره بإنشاء هيئة لمكافحة الفساد، ويكون ارتباطها المباشر به ـــ حفظه الله ـــ وجميعنا نتذكر ما جاء في أمره الكريم الشهير ـــ الفقرة التي نصت على أن تشمل مهام الهيئة جميع القطاعات الحكومية، ولا يستثنى من ذلك كائنٌ من كان، وتسند إليها مهام متابعة تنفيذ الأوامر والتعليمات الخاصة بالشأن العام، ويدخل في اختصاصها متابعة أوجه الفساد الإداري والمالي.
ينتظر هذه الهيئة كثير من العمل فهي تؤسس لثقافة جديدة، فضلا عن آليات وإجراءات منوعة ومتعددة لطبيعة العمل الذي يجب أن تقوم به في محاربة ومكافحة الفساد المالي والإداري في مختلف الجهات الحكومية، وهي مهمة ليست بالهينة أو السهلة.
ولم يغفل قرار مجلس الوزراء أن يحدد لهيئة مكافحة الفساد أن تمارس لتحقيق أهدافها عدة اختصاصات، منها توفير قنوات اتصال مباشر مع الجمهور لتلقي بلاغاتهم المتعلقة بتصرفات منطوية على فساد، والتحقق من صحتها واتخاذ ما يلزم بشأنها. ولعل خير ما يترجم هذا البند على أرض الواقع خدمات التعاملات الإلكترونية فيما بات يعرف بالحكومة الإلكترونية، حيث يفترض في هذه الهيئة أن تكون من أشد المؤيدين لها، ومن أكثر المتحمسين لانتشار تعاملاتها، بل على هيئة مكافحة الفساد أن تسن الأنظمة والقوانين التي تلزم مختلف الجهات الحكومية بسرعة اللحاق بمنظومة الخدمات الإلكترونية، خاصة تلك الخدمات التي تقدم للمواطن وتستهدفه. هذا إذا علمنا أن هناك بطئا غير مبرر في تطبيق التعاملات الإلكترونية من بعض الجهات الحكومية، وبإلقاء نظرة سريعة على ما قد تقدمه التعاملات الإلكترونية من فوائد تصب في صميم أهداف هيئة مكافحة الفساد، يمكننا أن نأخذ مثالا واضحا على ما انتهجته وزارة الداخلية التي تعد من الأوائل في هذا السياق، عندما بدأت خدماتها تتحول تدريجيا إلى الإلكترونية، ويمكن لأي مواطن الاستفادة منها مرورا بإدارات الجوازات وصولا إلى خدمات حجز المواعيد في إدارات الأحوال المدنية التي أسهمت، بل قضت تماما على الزحام وضياع الوقت وطول الإجراءات، فضلا عن خدماتها في مجال رخص السير المرورية وغيرها كثير، وهذه المنظومة التي نفذتها وزارة الداخلية ونجاحها خير مثال على نوع بليغ في مكافحة الفساد الإداري، فهذه الإجراءات سحبت البساط من تحت أقدام قلة من ضعاف النفوس تستغل جهل المواطن ببعض الأنظمة أو عدم إلمامه بالإجراءات المتبعة في هذه الإدارة أو تلك وضعف إلمامه بحقوقه. ولا نغفل تجربة المؤسسات المالية وخاصة البنوك في هذا السياق، التي نجحت أيما نجاح في تقديم خدماتها الإلكترونية للمواطنين، وباتت علميات تسديد الالتزامات المالية من فواتير الخدمات مثل الماء والكهرباء والهاتف وغيرها، فضلا عن الخدمات الأخرى المتعلقة بإدارة الحسابات جميعها تتم بضغطة زر.
أعتقد أننا في حاجة إلى سن ثقافة جديدة لا تعتمد على الجانب الأخلاقي والوازع الشخصي فقط، بل تعتمد على الأنظمة الإلكترونية التي تتميز بالتجرد من الأهواء الشخصية.
www.aleqt.com/2011/05/09/article_536052.html
|
خدمات المحتوى
|
د. عبدالله الحريري
تقييم
|