مَنْ الأولى بالخدمة "الصاحي" أم المريض
12-31-2011 06:49
في أغلب الأحيان كثرة تأكيد الشعارات قد تؤدي إلى إهمالها والاستهتار بها، فمن المنطق والعقل أن جميع من يعملون في أي قطاع صحي ابتداء من الوزير هم لخدمة المريض، وإن المعاملة الحسنة لا تحتاج إلى إمكانات، فكيف والإمكانات متوافرة.
الشعارات والمنشورات هي مفاهيم تجريدية تحتاج إلى تفكير حتى نجعلها أفعالا وتتحول من التجريد إلى التنفيذ حتى ينتفع بها الناس وإلا أصبحت مجرد علامة تجارية وكليشه توضع على كل مطبوعة وجدار وإعلان وتصبح أداة ترويج وإعلان وشكل للشخصية المراد تسويقها ولكن لن يكون لها أي محتوى ومضمون إذا لم تتحول إلى آلية تجد منافذ لبيعها وقبولها من الناس.
اليوم الصحة تحولت من مشكلة بسيطة إلى قضية ثم ظاهرة يعانيها الجميع وعندما يتفق الناس على شيء ويعانونه يصبح ظاهرة، وعندما تصل الأمور إلى أن تصبح ظاهرة فهذا يعني أن هناك خللا في النظام الصحي وآليات تطبيقه وأن العملية إلى إعادة صياغة للمفاهيم الصحية ثم تطبيق تلك المفاهيم على شكل أهداف قابلة للتطبيق والتنفيذ.
وفي ضوء ذلك نريد أن نعرف هل نحن لخدمة "مريض" أو لخدمة "إنسان" لا يعاني المرض، المفهوم الأول سيجعلنا أسيري فكر المرض والعلاج وندور حولة في حلقة مفرغه لن تنتهي بل ستجعل المجتمع مجتمع "المرض" وما نخرج من "حفرة إلا لدحديره". أما إذا أخذنا بالمفهوم الثاني وهو "الإنسان" فإن مفهوم الصحة يتحول إلى تطوير حياة الناس ووقايتهم حتى لا يصبحوا مرضى وهذا المفهوم يجعلنا نغير أهدافنا من التمركز حول مشكلة قلة أسرة المستشفيات والجراحات المكلفة والأمراض الوبائية والمزمنة إلى تعزيز الصحة بدعم برامج الرعاية الصحية الأولية والنزول إلى المجتمعات المحلية والتجمعات السكانية والأحياء والعمل معهم كشركاء للحفاظ على صحتهم وإصحاح بيئتهم ونفسياتهم وغذائهم ومتطلباتهم اليومية، وتعويدهم على عادات حياتية جديدة تطور وتحسن صحتهم الجسدية والنفسية والعقلية والروحية وعندما يكون مركز الرعاية الصحية هو مركز الإشعاع الصحي من منطلق أن الصحة هي فن تعليم وتعويد وإرشاد ووقاية الناس على أن يكونوا أصحاء، سنجد في المقابل الطلب على الأسرة في أضيق الاحتمالات وتبدأ الأمراض المزمنة في الانحسار وتقل الأمراض القاتلة كالجلطات والسكتات الدماغية والسرطانات وبهذا تعمل المستشفيات العامة براحتها ويخف الضغط عليها وتتحول المستشفيات التخصصية إلى مراكز للإبداع الطبي والأبحاث التي تحارب الأمراض وتنقذ حياة الإنسان.
إن تكريس مفهوم المرض لدى الناس يجعلهم أكثر وسوسة واكتئاباً وخوفا وقلقاً على صحتهم وتتصادق المشكلات العضوية مع النفسية لتدمر الشخص وتعجل بمرضه وفنائه، وتصبح المستشفيات مؤشرا للمرض والموت، فعندما يمرض الإنسان يكتئب ويفكر في الموت، وعندما يشعر بالتطور في صحته ينام نوماً هنيئاً يحب الحياة ويصبح أكثر إنتاجاً ومن هذا المنطلق فإن التخلص من فكرة المرض والمستشفى إلى المركز القريب من الناس قلباً وقالباً سيعزز الصحة لدى الجميع ويخرجنا من التسابق الخرساني لبناء مستشفيات "نورط" بكره في تشغيلها وربما نجامل الناس ونشغلها بأي طريقة وتكثر الأخطاء والمشكلات ولا يستفيد الناس منها ونرجع نقلق ونخاف على الصحة وننتظر المرض وما ندري وين نروح.
www.aleqt.com/2009/02/23/article_198767.html
|
خدمات المحتوى
|
د. عبدالله الحريري
تقييم
|