أزمة طب (2)
12-28-2011 05:56
د. عبد الله الحريري
هناك مشكلة تعيشها الممارسة الطبية على مستوى المفاهيم والأخلاقيات وأثرت بدورها في مستوى الدافعية والإنتاجية والإبداع، فعندما تزعم أساتذة الطب منذ سنوات قيادة قافلة العمل الطبي التجاري للبحث عن مصادر للدخل مجزية وأدركوا أنهم يتذوقون ما لم يتوقعوه ولا يوازي مجهوداتهم في العمل الحكومي انحرفوا بشدة، وكانت النتيجة بداية مفاهيم جديدة ومقارنات ساعة بين سنوات الدراسة والراتب، وأخرى بين ما يبذلونه من وقت وأيضا الراتب ثم أصبحت المقارنات تصل إلى حد المقارنة بالمستثمرين في مجال الخدمات الصحية.
وتحوك التفكير إلى قناعة لتتزايد حالات زحلقة الحالات على المتعاقدين والمعيدين وطلاب الامتياز وتزايدت قوائم المواعيد إلى أشهر وسنوات في المستشفيات الحكومية مقابل ساعات في العيادات الخاصة والمستوصفات والمستشفيات الخاصة.
وعندما شعرت الدولة بالمشكلة سنت قوانين تسمح للأطباء ممن هم على الكادر الأكاديمي بالعمل الأهلي كاستشاريين غير متفرغين، أما من هم على الكادر الصحي فلم تلبث الدولة نتيجة للضغوط والتذمر وسلسلة المطاردات وراءهم في القطاعات الصحية الأهلية، إلا أن تضع تنظيما يستطيعون أن يحسنوا دخلهم عن طريق مراكز الأعمال الملحقة بالمستشفيات الحكومية كنوع من العمل الخاص ومع ذلك خرجت تلك المراكز نتيجة للرغبة الجامحة لزيادة وسرعة الحصول على ما يمكن الحصول عليه من مال، وأيضا أساتذة الجامعة فمنهم من أصبح كتاجر الشنطة كل ساعة ويوم في مكان وإذا تفضل عليك بفلوسك يمكن أن تراه لدقائق لأنه خلال تلك الدقائق مشغول بأكثر من عيادة، والآخرون إما أصبحوا مروجين للطب عبر الفضائيات والمنتديات، أو تسجيل اسمه في أكثر من مركز أعمال والتجارة بالاسم في أكثر من عيادة ومستوصف لأن القانون فصل لخدمة الأطباء على حساب التخصصات الأخرى والدليل على ذلك أسماء الأطباء الذين تزودهم بهم اللجان المعنية بالقوانين للتخصصات الأخرى.
الموضوع ليس له علاقة بالاقتصاد الوطني والاستثمار في قطاع الرعاية الصحية بل ممارسات فردية خلقت نوعا من الثقافة التجارية حتى لدى طالب الطب والخريج الجديد الذي أصبح لا يقبل بالمكافأة الجامعية والراتب في بداية حياته ويرى أنه نوع من التعسف والظلم وأصبح الغالبية منهم يقارنون أنفسهم بكل شيء حتى مؤخرا بالمتعاقدين الذين تم رفع رواتبهم لأسباب معروفة ومنطقية بل إن بعض الأطباء السعوديين أصبح يفكر كما فكر بعض التجار عندما أوقف غازي القصيبي سيل التأشيرات ويهددون بالذهاب إلى دول الخليج.
أعتقد أنه لا أحد يملك أن يصادر لأي شخص حقوقه المنطقية بالكسب وتحسين الدخل، ولكن بالطرق العقلانية والمنطقية والأخلاقية، وهناك حلول منها تحديد سعر محدد وموحد للرواتب سواء للأطباء أو التخصصات الصحية الأخرى، حسب الخبرات والشهادات وأن تكون هناك علاوات أو حوافز للإنتاجية المبدعة وأخرى لأطباء مراكز الأسرة والمجتمع تقوم على دوره في الوقاية وأن ترتب بأهداف محددة بالنسبة إلى العدد والنوعية والمزيد من التحصيل وربط ميزانيات المستشفيات بالأهداف التي تحققها وأيضا ما يحققه الأطباء وغيرهم من الممارسين على أن يعاد النظر بجدية في النظام الصحي وخاصة نظام الرخص الطبية من باب تحقيق العدالة لجميع الممارسين.
|
خدمات المحتوى
|
د. عبدالله الحريري
تقييم
|