أزمة طب
12-28-2011 05:57



د. عبد الله الحريري

أصبحت الممارسة الطبية السريرية في المملكة تعيش أزمة قد تكون عواقبها وخيمة على صحة الإنسان، والكثير من الممارسين وأصحاب القرار لديهم العلم بها, خاصة مَن يمارس العمل الطبي.
وقد يتبادر للذهن أن تلك الأزمة أزمة تضخم على مستوى السعة السريرية خاصة الطوارئ التي هي مشكلة بحد ذاتها، أو أزمة زيادة رواتب ومميزات وغيرها، كما حدث للإخوة المتعاقدين لمحاولة توطينهم والحد من تسربهم بعدما صال وجال الأطباء السعوديون حول الزيادة وطالبوا بالمساواة وأصبحنا في سوق أسهم تريد أن تستقر حول مؤشر عادل يتناسب وإنتاجية الطبيب، بحيث يكون هناك سعر موحد للأطباء حسب شهاداتهم وخبراتهم، أيضا على حساب التخصصات الصحية الأخرى فمن باب "الأنا" والتمركز حول الذات أصبحوا هم المشكلة والحل والمساومة على الخدمة الطبية، ومن دونهم لن تدار المستشفيات كونهم خبراء أيضا في الإدارة الصحية وهم "أبو العريف" في كل شيء حتى في المقاولات والمشتريات ذات العلاقة بالصحة، المهم هذا ليس موضوعنا حول الأزمة، فالأمر محسوم مسبقا ما دام من يخطط ويدير وينفذ ذا اتجاه طبي متحيز والسلام على الفريق العلاجي.
الأزمة في الحقيقة من نوع آخر وأكثر خطورة لأنها تمس حياة المريض الذي لا حول له ولا قوة إلا بالله والذي عادة يتعلق بأي أمل وفي الوقت نفسه يكون أكثر خوفا وتوجسا على صحته عندما تهتز علاقته بالطبيب لأي سبب من الأسباب، ومما زاد الطين بلة الضغوط الإعلامية نتيجة لانتشارها وتعددها وكثرتها التي صًورت الطبيب بأنه يعمل ضد المريض، وخلطت بين الأخطاء الطبية والمضاعفات الطبية والأعراض الجانبية للأدوية، مما أوجد نوعا من الارتباط الشرطي كما يقوله العالم "باخلوف" بين الطبيب والخطأ الطبي, علما أن المنطق يختلف مع ذلك، فليس من المعقول أن من ينقذ حياة البشر ويعالجهم يريد قتلهم أو الإساءة إليهم، إلا أن أزمة الثقة أدت في نهاية المطاف وتجنبا للتشهير والتحقيقات والمنع من السفر من باب أنه مدان حتى تثبت براءته، وحتى لا يشتمه الآخرون أو ينهون حياته الوظيفية، أدت إلى مجموعة من الممارسات السلوكية غير الأخلاقية وغير المسؤولة كزحلقة الحالات على الأطباء الآخرين أو على المستشفيات الأخرى، والأخذ بمبدأ باب سد الذرائع، و"من خاف سلم"، و"امشي عدل يحتار عدوك فيك"، فيصبح الطبيب المثالي في علم الزحلقة أو من باب "زحلطن" المهم "ابعد عن الشر وغني له"، مما أدى ذلك إلى ضعف واضح في جودة العملية التشخيصية والعلاجية وانخفاض مستوى الدافعية لدى الطبيب نحو الابتكار والاستماتة في إنقاذ المريض وتطوير المهارات الشخصية والإقبال على هذه المهنة الإنسانية التي يرى بعض الأطباء أنها فقدت الكثير من الدعم المعنوي مقابل ارتفاع مستوى الإجهاد والتوتر والإحباط وضغط العمل الذي بدوره حول بعضهم إلى العمل النمطي الميكانيكي، وأصبحت تلك المهنة بين مطرقة الإعلام وسندان الأنظمة والإجراءات الجزائية وفي حضانة اجتماعية منزوعة الثقة.

تعليقات 0 | إهداء 0 | زيارات 397


خدمات المحتوى


د. عبدالله الحريري
د. عبدالله الحريري

تقييم
1.00/10 (11 صوت)

Powered by Dimofinf cms Version 3.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Inc.