من أهم ما يشغل الناس ويخشونه خوفهم على صحتهم، حتى إن أغلبية الأفكار السلبية التي تجعل الإنسان في حالة من القلق العام أو الرهاب الخاص والخوف من المرض لارتباطه بالموت.
وإذا ترك الإنسان نفسه لسيطرة هذه الهواجس والأفكار ولم يقاومها ويقوم بدور مهم في المحافظة على صحته وسلامته، فإنه بلا شك سيكون عرضة للمرض النفسي أو الجسدي.. لذلك ظهر الاهتمام على مستوى دولي بالصحة العامة الذي يلعب الفرد والمجتمع العنصر الأساسي في ردع المرض والمحافظة على الصحة والوقاية من الأمراض والأوبئة بصفة عامة والتي تكلف ميزانيات الدول الكثير من الأعباء التشغيلية، وذلك بسبب تحول الإنفاق إلى علاج الأمراض، خاصة الأمراض المزمنة بدلا من تطوير الصحة وتعزيزها في المجتمعات.
اليوم أصبح النظر إلى دور التجمعات البشرية في تعزيز الصحة والوقاية من المرض، من الأمور المستهدفة لدى صانعي القرار الصحي من خلال تعزيز مشاركتهم في رعاية صحتهم وتحسين وتعديل عاداتهم وأساليبهم الخاطئة التي تؤدي في أحيان كثيرة إلى المرض.
أصبحت هناك قناعات بأن ترك الأفراد والمجتمعات يقومون بدور المتلقي السلبي والمتمركز حول البحث عن الخدمات العلاجية وحسب لن يساهم في الحد من الأمراض وانتشارها، بل سيهلك المئات من الناس، وهذا سيكون على حساب الدور الفعال والنشط الذي يتركز على البحث عن وسائل الوقاية من المرض وتعزيز الصحة، انطلاقا من بيئته المحيطة ومن خلال تحسين الكثير من العادات السلوكية والفكرية حول الغذاء والتمارين البدنية والإصحاح البيئي وغيرها من الأمور المحيطة بالفرد والمتاحة بأقل الإمكانات لديه.
سنخسر المزيد من الناس والمال، وسيؤثر ذلك في عملية الإنتاج والتطور، إذا نأى المواطن بنفسه عن الاهتمام بصحته ومارس نوعا من السلبية وأصبح فقط يركز على الجانب العلاجي على حساب الجوانب الوقائية، إذا وصل الإنسان إلى مرحلة المرض، فإن دوره لن ينتهي بل لا بد أن يساهم في علاج نفسه، إلى جانب ما يقدم له من خطط علاجية وإلا تحول المرض من مؤقت إلى مزمن، وهو ما سيعاني منه طيلة حياته وما يمثله من تكلفة شخصية واجتماعية ووطنية.
المستشفى هو المكان غير المحبوب لدى الجميع لارتباطه بالألم والمرض، وهو أيضا بيئة خصبة لانتقال العدوى مهما عمل من برامج لمكافحتها، بل هو بيئة للوساوس والمخاوف المرضية أيضا، لأنه معقل المرض وعلاجه وأسوأ بيئة نفسية للإحباط أثناء مواجهة المرض وآلامة وأزمانه فهو على العموم بيئة غير صحية حتى وإن كان يعالج المرض، وفي ضوء ذلك أصبح هناك اتجاه وتوجه واسع النطاق لتقديم الخدمة الصحية من المستشفيات إلى المنزل بدلا من المنزل إلى المستشفى فيما يسمى بالطب المنزلي أو الرعاية الصحية المنزلية، وهي نقلة نوعية وعلمية في المجال الصحي تهتم بإيصال الخدمة الصحية لمن يحتاج إليها في منزله وبين أسرته، وتعزز الدور المجتمعي للمسؤولية الصحية، خاصة عندما تقضي على الضغط، على الأسرة في المستشفيات وأيضا المواعيد وتقلل من الإجهاد والمجهود الذي يبذله المريض أو ذووه وخاصة كبار السن الذين يعانون أمراضا مزمنة من الانتقال والتنقل والتوصيل والمواصلات.
اليوم المملكة تعتبر رائدة ومندفعة بحكمة وعلم في مجال تبني الطب المنزلي لتقديم رعاية صحية منزلية.
إن هذه الخدمة الواعدة الطموحة ستتحكم في الإنفاق، وستجعل تشغيل المستشفيات بكفاءة أكبر إلى جانب آخر مهم وهو السيطرة على تكرار دخول المستشفى للمرضى المسنين وذوي الأمراض المزمنة.
أعتقد أن مثل هذه المبادرات المتميزة سيكون لها الأثر الكبير في تقديم الخدمات الصحية وتصحيح مفهوم المسؤولية الصحية والاجتماعية نحو الصحة.
------
للاطلاع على المادة من موقع جريدة الاقتصادية:
http://www.aleqt.com/2012/03/06/arti...l#comment_form