لقد ظلمناهم بالمناصب!
04-03-2012 09:54
في التفاعلات الإنسانية تظهر مؤشرات عن كثير من الصراعات التي غالبا تدور حول تحقيق الأهداف الشخصية أو أهداف الآخرين، فعندما يتقلد البعض دفة القيادة أو الإدارة لجهة ما، فإنه إما أن يركز على أهدافه الشخصية ويخسر الآخرين وإما أن يركز على أهداف الآخرين ويخسر نفسه، وإما أن يتمتع بمهارة الذكاء العاطفي والاجتماعي فيكسب نفسه ويكسب الآخرين.
اليوم نعاني أزمة إدارة في بعض الجامعات وعدد من المؤسسات الحكومية، وهي مؤسسات تنفق عليها الدولة بسخاء وهدفها الرئيس خدمة الناس، وهي ليست ربحية بقدر ما أنها تستثمر في الوطن وأبنائه، لذا فإن أهدافها مختلفة وأيضا أدوارها ومهامها، عندما تقصد إحدى هذه المؤسسات التي تنعم بدعم مالي حكومي كبير، فإن المشكلة دون شك تكمن في القيادات التي تقوم على إدارتها. هناك إداريون يتقلدون مناصب قيادية تظهر شخصيتهم في الإدارة في عدد من المواقف فبعضهم ينسحب ويسلك سلوك السلحفاة، عندما تتقوقع وعندما تواجهه المواقف والصراعات، فيصبح شخصية سلبية يعاني عجزا واضحا في مواجهة المواقف وينسحب منها، مما يجعلها دون حل إلى أن تتفاقم وتصبح ظاهرة أو طافية على السطح، هناك إداريون يسلكون سلوك سمك القرش، عندما يتصدى لخصومه، وذلك من خلال إجبارهم وإكراههم على القبول بأهدافه وأن أهدافه هي الأهم بينما أهداف الآخرين تبدو ذات أهمية صغيرة، وهؤلاء القياديون يسعون إلى امتطاء كل السبل لتحقيق أهدافهم وبأي ثمن، فهم لا يهتمون بحاجات ورغبات الآخرين ويؤمنون بأن الصراعات والمواقف لا تسوّى إلا من خلال فوز رجل واحد على الآخرين وخسارة الآخرين، لذلك فإن هذا المبدأ السلوكي يحقق له نشوة الفوز والانتصار ويعطيه الشعور بالفخر والإنجاز.
وهناك شخصيات تتولى مناصب قيادية تسلك سلوك الثعلب في التسويف والمراوغة، فهم على استعداد للتخلي عن أهدافهم مقابل إغراء الآخرين بالتخلي عن مطالبهم وأهدافهم بهدف حل الصراع والوصول إلى تسوية تقوم بالتضحية بجزء من الأهداف وعلاقاته من أجل الوفاق.
المهم في هذه الأمور أن هناك نسبة كبيرة من القيادات الإدارية ممن لا يحسن التعامل مع المواقف والناس ونجده يتمسك بواحد من هذه السلوكيات من باب اعتقاده الشخصي بأن ما يقوم به من سلوك إداري هو الأمثل والأصح، مما يجعله يقع في كثير من السقطات الإدارية لأن الزمن يقف به عند مرحلة معينة ولا يدرك أن الزمن تغير وأن الأحداث والنفسيات والمجتمعات والأفكار تغيرت وأن الحلول التقليدية والبطء في اتخاذ القرارات والإصلاحات تهدد السلم في أي مجتمع أو تجمع.
اليوم نحن في أمس الحاجة إلى قيادات إدارية تمتلك من القدرات والإمكانات الفكرية والنفسية والعاطفية والعلمية والقدرة على المبادرة والمتابعة والتنفيذ، ما يؤهلها لقيادة وإدارة واستغلال الإمكانات المادية والبشرية بشكل يقفز بتلك المؤسسات إلى تحقيق طموحات القيادة والمواطنين، وبالمقابل لا بد أن ندرك ونفرق ما بين طيبة الشخص وتأهيله الأكاديمي وإخلاصه وبين قدرته على القيادة، فالموضوع قبل كل شيء موضوع قدرات وإمكانات سلوكية ومعرفية وشخصية في آخر المطاف، وقد نظلم كثيرا من الناس عندما ننصبهم المناصب القيادية والإدارية لأن قدراتهم الشخصية لا تسمح بذلك، وقد نحرقهم ونمرضهم بتوليتهم المناصب بينما قد يكونون أكثر إبداعا في أمور أكاديمية أو بحثية أخرى.
المقالة نقلا عن جريدة الاقتصادية، لمطالعتها:
http://www.aleqt.com/2012/03/27/article_640562.html
|
خدمات المحتوى
|
د. عبدالله الحريري
تقييم
|