مطالب الناس والأمية الحقوقية
04-03-2012 10:06
تطالعنا وسائل الإعلام بشكل متواصل بصور لمواطنين التحفوا السماء، يعيشون في أماكن غير لائقة ولا تتناسب مع أقل القيم الإنسانية. كما تطالعنا بآخرين يشتكون من مظالم عديدة سواء من فصل تعسفي أو طلب لعلاج... إلخ. وهي مطالب مشروعة ولا يختلف عليها اثنان، خاصة إذا علمنا أن النظام الأساسي للحكم في بابه الخامس والمتعلق بالحقوق والواجبات أكد أن من واجبات الدولة للمواطن ما تضمنته المواد 26 و27 و28 و29 و30 و31 و32 و36 و38 و39 و40 وغيرها من المواد والفصول.
المدهش في الأمر أن المواطن عندما ينشر معاناته إعلاميا ويجد من يروج لها قد لا يدركون أن من حقه شرعا ونظاما الحصول على جميع الخدمات الاجتماعية والصحية والأمنية وغيرها من الحقوق المجانية التي تقدمها المؤسسات الحكومية وأنهم ملزمون بتلبية هذه الحقوق دون منة أو تقاعس أو تراخ وأن المواطن عندما يصل إلى هذه المرحلة من الإعلان عن معاناته واللجوء إلى ولي الأمر أو الإعلام لطلب الإنصاف وتحقيق حقوقه يعني أن هناك خللا ما في تلك الأجهزة الحكومية ومسؤوليها تجاه المواطنين، وعندما نجد أن المملكة وقيادتها ينفقون بسخاء ويسعون لسعادة المواطن وراحته وتلبية رغباته وأن يعيش عيشة كريمة، وأن المشكلة في آخر المطاف ليست عجزا ماليا، وبالمقابل تقرأ في تلك الوسائل ما يثير الحزن والحيرة والألم، فإن هذا مؤشر خطير لتدني مستوى المسؤولية وما يصاحبه من تعقيد في الإجراءات وعدم عقلانيتها وتناسبها مع الأحداث والمواقف بالإضافة إلى إهمال وفساد إداري جسيم، و– زحلقات – للمسؤولين والمسؤولية بحكم عدم الاختصاص.
اليوم المملكة تتعرض لتشويه سمعتها بدون وجه حق من خلال هذه الصور القاتمة والحزينة التي تصور الأمور في غير محلها وبواسطة مسؤولين وموظفين لديهم الكثير من الخلط في المفاهيم ما بين المسؤولية والاختصاص وبين المبادرة والتقوقع حول المكاتب والكراسي وبين الصمت من باب (من سكت سلم) و(لا تخليك في وجه المدفع) والمبادرة والإقدام والمتابعة والبحث. ومن المدهش والملفت للانتباه أن المسؤول أو الموظف في الجهاز الحكومي المعني بالمشكلة المنشورة يقرأ ما تم نشره زيه زي الناس أو يمر كل يوم خلال ذهابه لعمله فيشاهد من كان يناشد في الجريدة وقد افترش المكان ويشاهد الخلل في طريقه وأمام عينيه ويمر عليه مرور الكرام وكأن الموضوع لا يخصه بل كأن الموضوع يتعلق بكوكب آخر، وهذا نوع من الازدواجية في الشخصية واختلال ما بين دوره كمسؤول ودوره كمواطن وإنسان، فلو أن لديه مستوى جيدا من الذكاء العاطفي والاجتماعي لكان إحساسه بالناس ومعاناتهم عاليا جدا ولأصبح يعاني صراعا في الأدوار قد يدفعه إما للمزيد من مواجهة التحديات وحل العقبات التي تساعد الناس أو تقديم استقالته والبحث عن دور يزيده تقوقعا ولا مبالاة.
التفسير الوحيد لمثل هذه التجاوزات القانونية والحقوقية في حق المواطن للحصول على حقوقه التي كفلتها الشريعة والنظام الأساسي للحكم، أن هناك أمية حقوقية منقطعة النظير لدى بعض مسؤولي وموظفي الأجهزة فغالبيتهم يجهل واجباته تجاه الناس بل الكثير منهم لم يكلف نفسه قراءة أنظمة وتشريعات البلد ويفضل إدارة الأمور بالمحاولة والخطأ أو (بطقها والحقها) ما يجعله أكثر إهمالا ولا مبالاة وبالتالي المزيد من الاستخفاف وعدم الاحترام وتلبية المطالب والحقوق المشروعة للناس.
تم نشر المادة في صفحة الرأي جريدة الاقتصادية، على الرابط:
http://www.aleqt.com/2012/04/03/article_642915.html
|
خدمات المحتوى
|
د. عبدالله الحريري
تقييم
|