لماذا التأمين الصحي؟!
04-24-2012 06:30
كثر الحديث والجدل حول التأمين الصحي، وكثيرا ممن يتحدثون عن التأمين الصحي يتجاهلون عن قصد أو عن غير قصد الكثير من مقومات التأمين الصحي وأدواته والهدف منه.
اليوم المملكة تعد من الدول القليلة التي تؤمن على مواطنيها عبر وزارة الصحة، والقطاعات الصحية الأخرى، سواء عسكرية أو جامعية من خلال الميزانيات السنوية المخصصة لهذا الغرض، وهذا لا يختلف عن التأمين التعاوني، سوى أن الآخر يتم من خلال شركات التأمين للمستشفيات والمستوصفات الخاصة، وعندما تقارن بين حجم المؤسسات الصحية الحكومية وبين الأخرى في القطاع الخاص فستجد أنها لا تزيد على 20 في المائة مقابل 80 في المائة خدمات حكومية.
بعض الذين يتحدثون عن التأمين الصحي على المواطن لم يقرؤوا النظام الأساسي للحكم في السعودية وهو دستور البلاد بالمعنى المدني في بابه الخامس الخاص بالحقوق والواجبات، وفي المادة الـ27 التي نصها (تكفل الدولة حق المواطن وأسرته، في حالة الطوارئ، والمرض، والعجز، والشيخوخة، وتدعم نظام الضمان الاجتماعي، وتشجع المؤسسات والأفراد على الإسهام في الأعمال الخيرية)، وفي المادة الـ31 من النظام ونصها (تعنى الدولة بالصحة العامة، وتوفر الرعاية الصحية لكل مواطن) ومن خلال قيام الدولة بواجباتها تجاه المواطن وأنها هي المسؤولة عن رعايته الصحية، من غير المنطقي أن تتخلى الدولة عن هذا الدور في مثل ظروف التأمين وشركاته الحالية التي لا تتجاوز الشركات الثلاث الكبرى والباقي شبه مؤسسات، ويراد أن يتم رمي المواطن عليها وعلى القطاع الخاص الذي لا يمثل إلا 20 في المائة أو تسلم الخدمات الحكومية المتقدمة لمثل هذه الشركات. لتأخذ وتعطى وتساوم على صحة المواطن.
اليوم التأمين الذي تقدمه الدولة من خلال مؤسسات الصحة يشمل الخدمات الصحية الأولية والعامة والمتقدمة دون حدود مالية، وإذا لم يجد المواطن سريرا تشتري له السرير في القطاع الخاص دون حساب للتكاليف، وإذا لم تجد له العلاج داخل حدودها ترسله إلى خارج المملكة أيضا بدون حدود مالية، أما إذا أردنا الحديث عن التأمين اليوم والمقدم في القطاعات الخاصة فهو محدود المبلغ، وإذا تجاوز الشخص ما خصص له يدفعه من حسابه الخاص، كما أنه لا يشمل الأمراض المزمنة والأمراض النفسية وأمراض الشيخوخة والخدمات الأخرى التي تعتبر رفاهية صحية كالتجميل بجميع أنواعه سواء للأسنان أو غيرها.
وإذا حاولنا أن نوجد مقارنة بين ما ينفق من تجهيزات طبية وغير طبية نجد أن الدولة تشتري وتستقطب أحدث التقنيات الطبية العالمية بغض النظر عن التكلفة المادية ودون السؤال عن تكاليف التشغيل، بل وتبعث المواطن لدراسة الطب في أفضل الجامعات العالمية وتخصص برامج تدريبية على رأس العمل لتطوير مهارات العاملين، بينما القطاع الخاص على عكس هذا تماما فليس عنده استعداد أن يبتعث أو يدرب أي أحد. لأنها بالنسبة إليه تكلفة إضافية يمكن الاستغناء عنها. ويحاول أن يستهلك الأجهزة والأطباء استهلاكا طويل الأمد، فلا يهمه ما يحدث من تطوير لهذه الأجهزة لأنها مكلفة، وقبل أن يشتري الجهاز يفكر 100 مرة في كيفية تشغيله، بل وإضافة تكاليفه على فاتورة المريض، وهكذا على الطبيب.
نحن نتهم القطاع الحكومي بالأخطاء الطبية لأنه حمال الأسية ولا يستطيع أن يرفض علاج أي حالة ويقبل ''زحلقة'' الحالات من القطاع الخاص، ولأن القطاع الخاص ليس لديه استعداد أن يتخذ قرارا مصيريا لأي مريض من باب الخوف من المساءلة ويحيلها للقطاع الحكومي.
هناك من يقول لماذا لا يكون التأمين أيضا على المستشفيات الحكومية، وهو لا يعلم أن الدولة مؤمنة على المواطن 100 في المائة ودون حدود في مستشفياتها من خلال العلاج بالمجان فلماذا تؤمن عليه إذا؟ وآخرون يرون أن التأمين الصحي هو العصى السحرية لمشاكل المواعيد، علما أن اليوم حتى تصل إلى الطبيب في المستشفى الخاص تحتاج إلى مواعيد، وأقصد بالأطباء الذين نطمح في أن نعالج عندهم وغالبيتهم أطباء مستشفيات حكومية وجامعية، ويعملون في القطاع الخاص بشكل غير قانوني، لأنهم قليلو التكلفة على القطاع الخاص، هناك مشكلات عديدة في البنية التحتية للتأمين، منها عمره ونضجه وعدم وجود شركات كبيرة تتنافس على الخدمة، إضافة إلى وجود نظام آلي للفوترة وتطبيق لنظام الترميز الطبي للأمراض والتعاملات المالية، إضافة إلى وجود ملف وطني موحد ونظام وطني للجودة.. إلخ.
المهم عندما نتحدث عن التأمين الصحي لا بد أن نكون أكثر عمقا وواقعية وألا تخدعنا خدمات الخمسة نجوم على حساب أشياء أكثر أهمية، فالمستشفيات للعلاج وليست فندقا، والصحة مفهوم أشمل من تأمين طبي إلى وقاية وتحسين للظروف الصحية التي ممكن أن تعود للمرضى وهذه ليست مسؤولية مقدمي الخدمات الصحية، بل جميع الجهات ذات العلاقة بحياة المواطن.
------------------------------- -
يمكن مطالعة المقالة على موقع جريدة الاقتصادية عبر الرابط التالي:
http://www.aleqt.com/2012/04/24/article_650278.html
|
خدمات المحتوى
|
د. عبدالله الحريري
تقييم
|