المقالات
مقالات د. عبدالله الحريري
هل نكرس مفهوم المرض على حساب الوقاية؟!
هل نكرس مفهوم المرض على حساب الوقاية؟!
05-08-2012 07:24

نلاحظ جميعا اهتمام وسائل الإعلام المختلفة سواء القنوات الفضائية والإذاعات وصولا إلى الصحف بتقديم وإعداد برامج وحوارات تتم خلالها استضافة عدد من الأطباء، يتحدثون خلالها عن الأمراض وكيفية الوقاية منها، ولا شك أن هذه مهمة تثقيفية توعوية، إلا أن الأطباء أخذوا على عواتقهم التصدي لها في ظل تقصير واضح من أقسام التثقيف الصحي الموجودة في عدد من المستشفيات، التي تبقى فاعليتها وبرامجها في هذا الإطار محل تساؤل كبير، مع عدم إغفال جهود البعض وإن كانت جهودا فردية وتطوعية لا أكثر. الأطباء هم أكثر الناس معرفة ودراية بأن هناك أمراضا يمكن التصدي لها وبالتالي يمكن تجنبها بقليل من التوعية وتثقيف الناس بالكيفية وباتباع بعض الممارسات اليومية التي لها أثر إيجابي في صحتهم، لذا عند حديثك مع أي طبيب تلمس في كلماته هما واضحا وألما بالغا، ذلك أن كثيرا ممن يراجعونهم كانوا في غنى تام عن أن يصنفوا مرضى لو أنهم كانوا على معرفة بكيفية ممارسة حياتهم من الغذاء إلى الرياضة والحركة وصولا للكشف الدوري وغيرها.

في الحقيقة يكتسب هذا الموضوع أهمية متزايدة في كل يوم، ففضلا عن جانبه الإنساني البالغ في توعية الناس ومساعدتهم على تجنب كثير من الأمراض، أيضا له جانب شديد الأهمية يتعلق بتوفير المصروفات المالية المتعلقة بالدواء والعلاج ومراجعات المستشفيات التي تكبد المواطن ضياع الوقت وأيضا الزحام على العيادات لتلقي العلاج، وعلى سبيل المثال مرض السكري الذي بدأ بعض المختصين ينظرون إليه كوباء بسبب انتشاره بين الناس في العالم، حيث قدرت منظمة الصحة العالمية أن المملكة صرفت حتى عام 2010 نحو 50 مليار ريال لعلاجه ومضاعفاته، فيما أظهرت تقارير صحية عالمية أن عدد المصابين بمرض السكري في جميع
دول العالم تجاوز 300 مليون، يوجد منهم 3.5 مليون مصاب في المملكة وحدها، أما دول الخليج العربي بصفة عامة فهناك زيادة مطردة ما بين 14 و25 في المائة من إجمالي عدد السكان، والمشكلة أن هذه الإصابات تظهر في أعمار صغيرة مقارنة بباقي دول العالم، ونعلم جميعا أن السكري يجلب أمراضا أخرى مثل الضغط وزيادة الكوليسترول في الدم ونحوها من أمراض أخرى لا تقل خطورة. هذه الخسائر المادية الهائلة وقبلها الخسائر البشرية الفادحة، حيث إن أعداد الوفيات بسبب السكري وما ينتج عنه من أمراض كبيرة جدا، فضلا عن معاناة المصابين وألمهم اليومي. جميع هذه الأرقام الكبيرة من جانبها المادي والبشري يمكن تخفيضها بمزيد من برامج التوعية والتثقيف، وأن تكون برامج متواصلة ومكثفة، وتوفير مبالغ وميزانيات لهذه الغاية. يقال إنه لو تم صرف 2.5 في المائة من ميزانية أي مجتمع على برامج التوعية الصحية فإنه تبعا لذلك سيتم خفض الأمراض وخفض معدلات الرعاية الصحية بواقع 25 في المائة. مرض كالسكري على سبيل المثال يمكن تلافيه وتلافي كثير من الأمراض الناتجة بسببه بمكافحة السمنة، فقد أثبتت الدراسات أن زيادة كيلوا جرام واحد على الوزن المثالي للإنسان يقابله 5 في المائة زيادة في احتمال الإصابة بالسكري النوع الثاني.

غني عن القول أن التثقيف الصحي عملية إعلامية مستمرة ومتواصلة تستهدف حث الناس وتوجيههم لممارسات صحيحة وسليمة، فيفترض على الموظف الذي يأخذ على عاتقة التثقيف الصحي أن يسعى دائما ودون كلل لرفع المستوى الصحي في المجتمعات ويكافح الأمراض من خلال نشر التوعية وتنمية ثقافة الناس بها وبكيفية تجنبها. إن على أقسام التثقيف الصحي الموجودة في المستشفيات والمرافق الصحية أن تنزل للناس وتذهب لهم وتلتقي بهم في الأسواق والمهرجانات والمناسبات الوطنية والاجتماعية وتعقد لقاءات وملتقيات ومحاضرات في المدارس على مختلف مراحلها، وأن تهتم بإنتاج الأفلام القصيرة وأن تسعى لعرضها في المواقع التي يرتادها الناس، هذا فضلا عن النشرات والكتيبات ونحوها. كذلك إعداد برامج توعوية قوية ومميزة موجهة للأطفال والشباب في مدارسهم. ولدى المختصين الكثير من الأفكار في هذا الإطار لكن من المهم تفعيلها ورصد ميزانيات مناسبة لها وفق برامج وخطط معتمدة، وأن تتم وفق مظلة عامة وبتنسيق بين الجهات الحكومية كافة والقطاع الخاص.


----------------------------------------- --
تم نشر المقالة في جريدة الاقتصادية صفحة الرأي
http://www.aleqt.com/2012/05/08/article_654659.html

تعليقات 0 | إهداء 0 | زيارات 284


خدمات المحتوى


د. عبدالله الحريري
د. عبدالله الحريري

تقييم
3.38/10 (17 صوت)

Powered by Dimofinf cms Version 3.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Inc.