مِن مبدأ «كل الفطير وطير».. مَن يشغل المنجزات؟!
05-15-2012 08:36
مما لا شك فيه أن موضوع التشغيل والصيانة قد أصبح الموضوع الساخن والمقلق للكثير من المهتمين بالشأن العام بعد الطرح الذي طرحناه وتوالت بعده الأقلام ووسائل الإعلام لتسليط الضوء عليه.
اليوم مؤسسات وشركات التشغيل والصيانة أصبحت بالتأكيد ومما لا يدعو للشك تسهم مساهمة غير مباشرة في الكثير من القضايا التي تمس منجزاتنا وبنيتنا التحتية، إضافة إلى الكثير من القضايا الاجتماعية والقانونية.. فعندما نأخذ موضوع توطين القوى البشرية سنجد أنها تعمل على مبدأ (كل الفطير وطير)، فلا يهمها السعودة أو التوطين، حيث لديها العمالة المطيعة التي تنقلها من موقع إلى آخر كل ثلاث سنوات ولا يهمها توطين التقنية والخبرة والقوى البشرية لأنها تنسحب من أي موقع على مبدأ الأرض المحروقة، ما يحدث فراغا خطيرا في المشاريع التنموية، وهناك قضايا معروفة كما حدث مؤخرا في الميناء الجاف في الرياض وشركات تشغيل وصيانة المستشفيات أو ما يسمى التشغيل الشامل والكامل موضوع الترسيم للمواطنين والمواطنات الذين كانوا على عقود التشغيل والصيانة لدى هذه الشركات عندما تخلت عنهم وعما كسبوه من خبرات والمعاناة الاجتماعية التي لم تؤخذ في الحسبان، ورمت المسؤولية الاجتماعية عرض الحائط لأن الهدف لدى تلك الشركات هو تشغيل واستهلاك العمالة وليس توطينها ومراعاة ظروفها والمساهمة في المسؤولية الاجتماعية والوطنية.
شركات التشغيل والصيانة تمارس أساليب مختلفة ضد حقوق الإنسان عندما تجلب آلاف العمالة غير المدربة وبرواتب غير التي تم التعاقد معهم عليها وتصل إلى خمسمائة ريال كمتوسط، ولا تدفع شهريا، وأساليب تعامل غير إنسانية، ثم يطلب منا كمجتمع أن ندفع هذه الفاتورة اللا إنسانية بتشغيلهم خارج أوقات الدوام والسماح لهم بالتقاط الكراتين والسكراب والعلب الفارغة ليستطيعوا أن يحققوا مكاسب ويعيّشوا أهاليهم، وإذا لم يستطيعوا الحصول على ذلك التعويض فإن العملية ستتحول إلى الحصول على ما يريدون بالاحتيال والسرقة والمخدرات والتهريب وزعزعة الأمن.
ماذا نتوقع من عمالة وافدة عبر منافذ التشغيل والصيانة وبمؤهلات لا تتجاوز الابتدائية للأغلبية وبشهادات مهنية مزورة ومهارات تكتسب في معاهد الحياة السعودية التي أصبحت أفضل بيت للتدريب على رأس العمل وبالمجان ولكن بفوائد باهظة تدفع اجتماعيا وتنمويا؟
اليوم لو قررت تلك العمالة السفر أو الإضراب لأي سبب من الأسباب ستتوقف عجلة العمل وتكاد تتوقف الحياة في كثير من مؤسساتنا الحيوية وستصبح النفايات كالجبال ناهيك عما قد تجده من فوضى.
اليوم العمالة الوافدة بشتى مستوياتها المهنية وبرؤسائها غير السعوديين تصول وتجول في أغلب مؤسساتنا الحيوية الحكومية وبحرية وتعرف من الأسرار ما لا نعرفه وتدخل المكاتب، وباختصار نحن مخترَقون من داخل مؤسساتنا الحيوية الحكومية والوضع أيضا ينطبق داخل المنازل، وأخشى أن يمضي بعض الوقت ونصبح على الهواء مباشرة بكل خصوصياتنا وأسرارنا، فنحن من أعطيناهم ''الجمل بما حمل'' ومن خلال بوابة مؤسساتنا الوطنية الخاصة بالتشغيل والصيانة.
اليوم ليس الحل هو في تكريس مبدأ هذه المؤسسات من خلال تعديل أنظمة المنافسات الحكومية وما في حكمها، بل بإعادة هيكلة مفهوم التشغيل والصيانة على المستوى الوطني من خلال أولا: تبني تأسيس ''الشركة الوطنية للتشغيل والصيانة'' وهي شركة مملوكة للدولة كشركة المياه الوطنية وباستثمار حكومي كامل تخصص أسهم منه لاحقا بعد نجاح التجربة. وثانيا: يتم دمج شركات ومؤسسات التشغيل والصيانة الحالية في شركات كبرى مساهمة، كما حدث لمكاتب الاستقدام، ثم تحدد أدوارها فيما يتعلق بتوطين وسعودة الخبرات والتقنيات وبإشراف مباشر من وزارة العمل، على أن تقوم هذه الشركات بإنشاء مراكز للتدريب الإداري والمهني والفني للسعوديين تحت مسمى ''البرنامج الوطني لتوطين برامج التشغيل والصيانة''... المهم أن يتم ذلك لكل منجزاتنا ومنشآتنا التي تمولها الدولة، ومن لا يعجبه العجب من تلك المؤسسات فهناك سوق أخرى وهي سوق تشغيل وصيانة منشآت القطاع الخاص وأعتقد أنه لا يفل الحديد إلا الحديد.
--------------------------------------- ---
تم نشر المقالة في جريدة الاقتصادية
http://www.aleqt.com/2012/05/15/article_656849.html
|
خدمات المحتوى
|
د. عبدالله الحريري
تقييم
|