المقالات
مقالات د. عبدالله الحريري
لا تذهبوا بعيدا لاستنساخ تجارب الآخرين فلدينا الجبيل!
لا تذهبوا بعيدا لاستنساخ تجارب الآخرين فلدينا الجبيل!
05-22-2012 11:56

منذ أكثر من أسبوعين أتيحت لي زيارة الجبيل الصناعية ضمن وفد حكومي اطلع على شرح موجز عن تطور الجبيل الصناعية وبداية العمل فيها منذ أن كانت قاعا صفصفا حتى أصبحت من أكبر المدن الصناعية تأثيرا في اقتصادات العالم.

من يعمل في الجبيل هم سعوديون وليسوا من كوكب آخر، ولكن كان يميزهم أنهم يملكون رؤية استراتيجية بعيدة الأمد، فقد كانت نظرتهم تمتد لأكثر من 80 عاما، وذلك عندما وضعوا أول لبنة للبنى التحتية، وكانت النظرة تنبع من بُعد نظر، وكانت الإرادة هي المحرك الرئيسي في اتخاذ القرار، فلم تكن القرارات مرتبطة بأشخاص تذهب معهم عندما يذهبون، بل كانت قرارات مؤسساتية وكأن هناك إصرارا جماعيا على التنفيذ وقدرة على التنبؤ بالنتائج، وما كان يميزها أن القرار الجماعي كان قرارا واحدا وبلغة واحدة ولم يكن هناك تنازع في الصلاحيات والأدوار والأولويات، ولذلك بنيت البنية التحتية على أسس مشتركة يجمعها مخطط واحد وتنفيذ متوازن.

هذه الرؤية التنفيذية التي امتدت لثمانين عاما كانت تتناغم مع بعضها، ولذلك عندما قُرر تأسيس المدينة تم رفعها عن سطح البحر بواسطة ردم الأرض بكميات هائلة من الرمال لأسباب عدة، أولها حماية المدينة من أمواج البحر، وثانيا ليتم مع الردم تأسيس بنية تحتية لأكثر من ثمانين عاما من الخدمات الهاتفية والصرف الصحي والماء والكهرباء في وقت واحد، ووضعت أيضا أنابيب وممرات لكل هذه الخدمات الفارغة للزيادة المحتملة والطلب المتزايد في المستقبل لهذه الخدمات.. لذلك لا نرى في الجبيل واحدا يسفلت وواحدا يحفر، فكل شيء يتم تحت الأرض دون إزعاج للساكنين ودون هدر مالي، ويحكي لي أحدهم أنه عندما تطورت أسلاك الاتصالات إلى الألياف الضوئية تم سحب القديمة واستبدالها بأخرى والناس لم يشعروا بذلك.

عندما تم أخذنا بجولة في أرجاء المدينة وجدت هناك مساحات كبيرة من الأراضي التي لم يبنَ عليها، وقد أوضح المرافق لنا أنه بعد هذه السنوات ما زلنا لم نصل إلى مركز المدينة، وما تم بناؤه لا يمثل إلا جزءا بسيطا، وأن مركز المدينة وبقية الأحياء التي من المخطط لها أن تبنى في السنوات القادمة ستبنى على أرض جاهزة من جميع متطلبات البنية التحتية تم إعدادها وتجهيزها منذ تأسيس المدينة، بل إن الشوارع والجسور التي تمر ومن المقرر أن تكون في المستقبل على ممرات مائية تم إعداد أعمدتها منذ تلك الفترة وما علينا إلا تركيب الجسور فقط. خلال الجولة سألته لماذا لا توجد أعمدة الجوالات كما في أحيائنا حيث تشاهد في كل زاوية عمودا بل حتى فوق أسطح منازلنا، فأجاب لقد تم إرغام جميع الشركات على أن تستخدم عمودا واحدا ولا نقبل أن تقوم كل شركة بنصب عمود مستقل لها. الغريب في الأمر أن الجبيل البلد التي تجاور الجبيل الصناعية لا تمت لهذه المدينة بأي صلة، وعندما تمر بها تجدها مثل بقية المدن حفريات وتعثرات وعدم تنسيق وكل وزارة تعمل وحدها.. في آخر المطاف سألت هل نقلتم هذه التجربة الفريدة في بناء وتخطيط المدن للآخرين في مؤسساتنا، فكانت الإجابة أن قامت وفود بزيارتنا واحدا تلو الآخر من جميع القطاعات والدوائر الحكومية، ونلمس منهم الإعجاب والحماس بنقل هذه التجربة، ولم نسمع باستنساخها.

وأعتقد أن السؤال المطروح لماذا الزيارات المتكررة لكل الدول ولدينا تجربة عالمية سعودية فريدة تمت بنجاح في وطننا ومناخنا وبيئتنا وبالقرب منا ولا تتم الاستفادة منها؟!


--------------------------------------------------------- --
تم نشر هذه المقالة في صفحة الرأي جريدة الاقتصادية:
http://www.aleqt.com/2012/05/22/article_659213.html

تعليقات 0 | إهداء 0 | زيارات 303


خدمات المحتوى


د. عبدالله الحريري
د. عبدالله الحريري

تقييم
1.00/10 (15 صوت)

Powered by Dimofinf cms Version 3.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Inc.