القانون والتنظيم ومفهوم المنع بالقرارات
05-29-2012 05:25
جمعني حديث مع أحد الأصدقاء القانونيين حول الكثير من التجاوزات غير القانونية التي تصدرها المؤسسات على شكل قرارات وتعاميم، وخاصة ما يتعلق بالمنع بوجه عام.
اليوم نجد هناك أوامر وقرارات غير قانونية لا تتمتع بالسند النظامي لأنها لم تكن نظاما صدر من المقام السامي أو بقرار من مجلس الوزراء، بل بقرار من وزير أو مدير عام، ومع الوقت يصبح هذا التجاوز عادة سلوكية غير منطقية وإن كان ظاهرها المصلحة العامة.
عندما نكرس مفهوم المنع دون نظام أو سند قانوني ودراسة للإيجابيات والسلبيات والتطورات الزمنية والثقافية، فإننا نكرس عدم احترام القانون والنظام ونخلق نوع العرف القائم على المنع المطلق وليس البحث عن حلول وبدائل، بل إن كثرة المنع دون أسباب نظامية أي لم تصدر بمرسوم أو قرار لمجلس الوزراء قد يخلق ثقافة الخوف والتردد لدى من اتخذ القرار وأيضا المستقبل له وندخل في دائرة من الفوضى الإدارية تتيح للشخصيات القيادية الضعيفة أن تملي مثل هذه التحوطات غير المبررة من باب أبعد عن الشر وغني له.
اليوم عندما نفرط في المنع غير القانوني نؤسس ردة فعل سلوكية غير منطقية وغير عقلانية، وعلى سبيل المثال نمنع الطالب من الخروج خارج المدرسة، فيقوم بتسلق السور ويعرض نفسه للخطر وسيكسر المنع لأنه يعلم أن دور المدرس هو التربية والتعليم لا احتجازه قصرا وعمدا، ومثله ما يحدث في الجامعات للطالبات حتى إن كانت متزوجة وحاملا تريد أن تخرج قبل موعد الخروج الذي حددته الجامعة، فإنها تمنع وإذا تأخرت تمنع أيضا، وهذا لم يحدث في أي جامعة في العالم... وهذا يقلب الموازين ويجعل بعض الأسر لا تقوم بمسؤوليتها تجاه أبنائها وترمي المسؤولية على الجامعة أو المدرسة وهذا أمر غير صحيح ولا يتفق مع الأهداف التربوية والتعليمية لإنشاء الجامعات والمراكز التعليمية.
ثقافة الممنوع تخلق ثقافة رديفة هي كل ممنوع مرغوب وتجعل الإنسان لا يبحث ويبتكر الحلول والبدائل أمام المشكلات سواء اجتماعية أو طارئة، بل تكثر في ظل هذه الثقافة المسموح بها الاجتهادات والتأويلات والتفسيرات التي تخرج عن النص النظامي وانتهاك الحقوق الخاصة للناس، وهذا ما لا يقبله الناس لأنه اجتهاد فئة على حساب فئة أخرى، بل سيسعون بكافة الطرق إلى خرقه ومن هنا نعلم الناس عدم احترام القانون والنظام والتحايل عليه ونشر الكثير من ردود الأفعال الخلافية التي قد تضر بالسلم الاجتماعي.
وفي هذا الإطار يحكى عن الأسكندر أنه استفسر عن قلة الأحكام والشرائع في الهند فقالوا له "الحق من أنفسنا والعدل من ملوكنا"، فقال لهم: أيهما أفضل العدل أم الشجاعة؟ قالوا له: إذا استعمل العدل أغنى عن الشجاعة.
هناك خلط كبير لدى الكثير من القياديين والإداريين حول حدود السلطة والصلاحيات والتفويض، ويعتقد البعض أن أي قرار يهم الشأن العام من مسؤولياته وفي حدود صلاحياته وأنه من حقه أن ينفذه على أرض الواقع وفق نظرته وأفكاره، وهذا من الأخطاء الشائعة التي تتعارض مع مفهوم النظام أو القانون. فالتنظيم أو القرار الوزاري وما دونه والتعاميم لا تقوم مقام الأنظمة الصادرة بمرسوم ملكي أو بقرار لمجلس الوزراء، ومن القواعد الشائعة على مستوى فرض رسوم أنه لا رسوم إلا بمرسوم. نحن نحتاج إلى زيادة الوعي الحقوقي والقانوني للمواطنين من خلال مزيد من التوعية والتنمية.
غني عن القول أننا أصبحنا نكتشف بعد أن بدأنا نؤمن ونحترم القانون ورفع المؤسسات الحقوقية والقانونية، أن هناك الكثير من أوامر المنع ليست قانونية أو نظامية وإنها اجتهادية أساسها الخوف من النقد واللوم الاجتماعي وأنها أول ما تخالف النظام الأساسي للحكم الذي هو دستور المملكة وما نلبث أن نجد أنفسنا أمام فراغ نظامي وقانوني نحاول ترقيعه أو نسحب أنفسنا منه وكأن شيئا لم يكن، وعلى المتضرر اللجوء لمن يرد له حقوقه.
إن وضع تنظيمات المنع يجب أن يتوقف أو على الأقل يقنن، وأن تصدر التنظيمات من مكانها الطبيعي، وليس من مكتب كل مسؤول صغر أو كبر. من شأن هذا التقنين أن يعزز مكانة النظام والتنظيم ويجعل له هيبة وقوة أكبر في قلوب الجميع، ويكون مصدر احترام وتقدير من كافة أفراد المجتمع.
--------------------------------------- ---
تم نشر هذه المادة في جريدة الرأي
جريدة الاقتصادية، على الرابط التالي:
http://www.aleqt.com/2012/05/29/arti...l#comment_form
|
خدمات المحتوى
|
د. عبدالله الحريري
تقييم
|