المقالات
مقالات د. عبدالله الحريري
المعاناة التي نتجاهل علاجها
المعاناة التي نتجاهل علاجها
06-13-2012 06:56

يكاد يكون هناك إجماع في الأوساط الطبية والعلمية على أن هناك علاقة طردية واضحة بين المرض النفسي والمرض الجسدي، بمعنى أن الإنسان المصاب بأي من الأمراض النفسية سيكون مهيأ للإصابة بمرض جسدي (بدني) عضوي.

هناك علاقة كبيرة بين العقل والبدن، وتظهر هذه العلاقة في تأثر الجسد واستجابته للضغوط والمشكلات النفسية على شكل أعراض واضطرابات جسدية، وكثير من الممارسين الصحيين لا ينتبهون لمصدر هذه الأمراض، ما يجعلهم يتناولون المشكلة من منظور عضوي، وهو ما يشكل المزيد من المعاناة والهدر على المستوى الصحي، حتى إن بعض الدراسات السابقة أشارت إلى أن 40 في المائة من مراجعي مراكز الرعاية الصحية الأولية عادة ما يعانون اضطرابات نفسية تظهر على شكل أعراض عضوية.

وفي ضوء ذلك فإن عدم التشخيص المبكر لهذه المشكلة قد يدخل الكثير من الأشخاص في المزيد من المعاناة، وبالذات المعاناة من الاكتئاب، فالمريض يشعر أن وضعه لم يتحسن، ما يجعله أكثر إحباطا وقلقا على صحته، وهذه في حد ذاتها مشكلة قد تطول مع الوقت وتحد من نشاطه الاجتماعي والشخصي، وهناك حالات من المرضى الذين عانوا مشكلات نفسية، حيث بدأت تظهر هذه المشكلات في سن متقدمة على شكل أعراض متنوعة وآلام، كون المشكلة النفسية التي لم تعالج تحولت إلى ما يمكن أن يطلق عليه الاكتئاب المقنع.

هذه لم تعد نظرية تحتمل الصواب والخطأ، بل باتت حقيقية علمية، وضعت لإثباتها الكثير من الدراسات والبحوث، على مر الزمن، لذا لم يعد من الجدوى التشكيك فيها ومحاولة التقليل منها ومن أثرها.

في إطار السعي لتطوير المعالجة الطبية قام الدكتور روبنسون في جامعة جونز هابكنز بفحص 50 مريضاً يعانون غثيانا مستمرا وآلاما في المعدة رغم أن أعضاءهم الداخلية سليمة وتعمل بشكل جيد، وكانت النتيجة أن هؤلاء المرضى في الحقيقة يعانون الهم والقلق، بل إن أحدهم أفاد بأن آلامه ومشاكله الصحية بدأت منذ أن فقد وظيفته وأصبح عاطلاً.

الباحثة الدكتورة فلاندرز رونيار في مركز كومبيا الطبي في نيويورك درست حالة 1500 مريض يعانون مشكلات صحية مختلفة وجدت أن السبب في مرض أكثر من نصف هؤلاء الأشخاص اضطرابات عاطفية عانوها في ماضيهم.

إن الحياة اليوم المملوءة بالأعمال المتواصلة والضغوط تجعل الإنسان عرضة لأنواع كثيرة من الأمراض النفسية وأيضا الجسدية، فأثر المادة في حياتنا وما تسببه من ضغط واضح على يومنا، فصعوبة الحصول على المال وسهولة صرفه، بل تعدد أوجه هذا الصرف وما يرافقه من إغراءات تجعل الإنسان في الوسط كمن وقع في الكماشة، إذا صح التعبير، وهذه الحالة تقود إلى تراكم الديوان والالتزامات المالية، فيصاب بالقلق والهم والضغط النفسي، وقد يعاني أيضا ظروفا اجتماعية وعلاقات أسرية متعثرة تشوبها بعض المشكلات الخفيفة التي تحدث دوما في كل منزل إلا أنها تنمو سريعا وتكبر وتتحول إلى عواصف تهدد استقرار المنزل وتماسك الأسرة بأكملها.

قد يجهل الكثيرون أن القلق والمخاوف تقود الإنسان إلى مشاكل صحية واضحة، فهذا القلق من شأنه أن يوقف الأنزيم الهاضم في المعدة، وهذا ينتج عنه فقدان الشهية وبالتالي تدهور الصحة. إن اضطرابات وظائف الجسم الطبيعية وضعف مقاومتها للعدوى، بل حدوث تغير في الأعضاء الحيوية للإنسان كالقلب والرئة، قد تكون بدايتها عوامل نفسية صرفة. إن هذا الموضوع يجب أن يوضع في سلم أولوياتنا ونتأكد أن إصابات مثل الشلل أو الجلطة أو حدوث الأزمة القلبية، حتى الموت المفاجئ، تكون في أحيان كثيرة بسبب الصدمات النفسية أو بسبب أي من العوارض النفسية التي أهمل علاجها فتفاقمت لدى الإنسان حتى أوصلته إلى هذه الحالة المميتة.

أعتقد أنه من الأفضل التوسع في فتح عيادات الإرشاد النفسي والطب السلوكي وعيادات مكافحة التوتر والإجهاد النفسي في مراكز الرعاية الصحية الأولية ومن خلال القطاع الخاص.

----------------------------------------------- --
تم نشر المادة في جريدة الاقتصادية
http://www.aleqt.com/2012/06/12/article_666129.html

تعليقات 0 | إهداء 0 | زيارات 334


خدمات المحتوى


د. عبدالله الحريري
د. عبدالله الحريري

تقييم
1.00/10 (15 صوت)

Powered by Dimofinf cms Version 3.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Inc.