اكتب خطاباً؟!
12-28-2011 06:07
د. عبد الله الحريري
حدثني أحد الأصدقاء الغيورين على البلد ومن الكفاءات العلمية والثقافية المعروفة أنه كان سعيدا عندما سمع عن ظهور الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان وهيئة حقوق الإنسان، وكانت سعادته أن هناك قنوات يستطيع من لديه القدرة العلمية والثقافية والاجتماعية أن يساهم فيها ويكون له دور اجتماعي خاصة أنه من الكتاب الذين وجدوا في تلك الجمعيات آليات لممارسة ما كانوا يقومون به على مستوى التعليم .. وقد روى لدي دهشته عندما حاول الاتصال بمسؤولي تلك الجمعيات وأنه عانى كثيرا من الاتصال بهم لما واجهه من قائمة أعذار لا يستطيع أي شخص إلا أن يعذرهم عليها في بادئ الأمر، وعندما خدمه الحظ وأجاب أحد مسؤولي تلك الجمعيات وحدد معه موعدا ذهب مسرعا فرحا ولكنه فوجئ بأن المسؤول نسي الموعد وما كان من مدير مكتبه إلا أن يختار أحد الأعذار من قائمة الأعذار، فأحبط صاحبنا وما كان منه إلا أن وضع سيرته الذاتية لدى مدير المكتب وكأنه يطلب عملا! أما الجمعية الأخرى ومن خلال الواسطات كان الرد بأن عليه أن يكتب خطابا يطلب فيه الانضمام إلى الجمعية "وبعدين يشوفون" هل أنظمة ولوائح وقرارات الجمعية تسمح بالمتطوعين، فصاحبنا أكد لهم أكثر من مرة أنه ميسور ولا يريد أجراً مقابل الدفاع عن حقوق الناس.
المدهش أن مثل هذه القصة تكررت أكثر من مرة ومن أكثر من شخص وكانت ردود تلك الجمعيات أن الأنظمة في الوقت الحاضر لا تسمح بالعمل التطوعي أو يقدمون بعض المبررات وكأنهم قطاع حكومي أكل عليه الدهر وشرب، وما أدري ماذا حل بتلك الجمعيات التي لا نريد منها اجتهادات شخصية لأنظمتها فالجمعيات الحقوقية العالمية سبقتنا بمئات السنين ولديه خبرات تراكمية لا تحتاج سوى أخذ آخر ما توصلت إليه لتنفذه، كما أن العمل الحقوقي والأعمال الاجتماعية الأخرى التي تدافع عن حقوق البشر وتقدم لهم الدعم والمشورة والحماية عادة لا تكون مؤسسات تمنح رواتب أو تركز على أسلوب التوظيف بقدر ما تركز على العمل التطوعي، فبقدر ما ينتشر العمل التطوعي في تلك المجتمعات تسود الثقافة الحقوقية والأمن الاجتماعي وأيضا الأمن الشامل.
وما أحب أن أشير إليه وناقشته مع صديقنا المحبط لوطنيته وأيضا من باب العزاء أن الصحافة في العالم وفي السعودية هي التي كانت ولا تزال تدافع عن حقوق الناس ولسيت مجرد صحف إخبارية، فكتابها وصحافيوها مارسوا الدفاع عن حقوق الإنسان منذ نشأتها وتعرضوا للكثير من المشكلات والإيقاف عن الكتابة والملاحقات القانونية وهم من رفعوا راية حقوق الإنسان وإيصال صوته لكل مسؤول وصاحب قرار، وإذا كانت تلك الجمعيات ستنهج نهج المؤسسة التي تنظر إلى العمل الحقوقي والدفاع عن حقوق الناس وحمايتهم كعمل وظيفي ومعاملات "رايحة وجاية" وتزكيات في الانضمام فهذه أول بداية النهاية وسنجد من يتربعون على تلك الجمعيات من كثرة المركزية والتوتر والانشغالات والسفرات أكثر عرضة للإجهاد النفسي والعصبي وسنسمع عن حقوق الإنسان جعجعة ولا نرى خبزاً وستكون قضية المشاركة الاجتماعية في تراجع إذا استوطنت أفكار من يؤسس لمثل تلك الجمعيات أنها "كيكة" وغير مسموح للآخرين المشاركة في صنعها وتذوقها.
وأخيرا أتمنى أن يكون الانضمام إلى العمل لصالح حقوق الإنسان أكثر مرونة ودون خطابات.
|
خدمات المحتوى
|
د. عبدالله الحريري
تقييم
|