المقالات
مقالات د. عبدالله الحريري
لماذا تُخفى الأنظمة واللوائح عن الموظفين؟
لماذا تُخفى الأنظمة واللوائح عن الموظفين؟
07-17-2012 07:09

هناك مخالفات صريحة للعمل في المملكة من قبل بعض مديري الموارد البشرية أو شؤون الموظفين بدعم من رؤسائهم، وتتمثل أكثر هذه المخالفات وضوحا عندما يمنع الموظف من الاطلاع على لوائح شؤون الموظفين واللوائح الداخلية الأخرى بحجة أنها سرية وغير قابلة للتداول أو الاطلاع.

ونسمع بين وقت وآخر عن مؤسسات شبه حكومية أو خاصة يقاضيها موظفوها الذين اكتشفوا بعد سنوات عدة من العمل أن لهم حقوقا كفلها نظام العمل كانت مغيبة عنهم إما لجهل من تلك المؤسسات أو لتجاهل.

اليوم ومع التقدم التقني وظهور ثورة البوابات الإلكترونية لم يعد هناك ما يسمى أن كل شيء سري، بل أصبحت الشفافية في مقدمة المطالب الاجتماعية من خلال نشر المعلومات للجميع ومن دون مبالغات ومزيد من التحفظات، حتى أجهزة الاستخبارات التي كانت في الماضي مؤسسات مخفية أصبحت اليوم أكبر مزود للمعلومات في العالم، وأصبحت تقدم معلومات موثقة وشاملة وعلمية استفاد منها الكثير من الباحثين ومتخذي القرار.

توجد فئة من الإداريين تحول كل المعلومات والبيانات المتعلقة بالموظف إلى سرية وغير قابلة للقراءة والتداول، ويبالغون في التحفظ، وهم، مع الأسف، ينشرون ثقافة، الوسوسة، والشكوك في النوايا. أخشى أن هذه الفئة تعاني مشكلات معرفية، بل سلوكية ومخاوف لا مبرر لها تصل بهم إلى مراحل متقدمة من الرهاب والسلوك الغيري الذي يدفعهم لحب التملك والتحفظ و''دسدسة'' أي شيء عن الآخرين إما خوفا من ضياعه أو فقدانه، وبالتالي حرمان الآخرين من الانتفاع به، وهذا نوع من السلوك الحاسد والمتركز حول الذات.

وهناك فئة أخرى من الإداريين يقومون بهذه الممارسة بهدف إضافة هالة وأهمية وهيبة حول أنفسهم، فهم يقولون للآخرين إننا أشخاص نافذون ومهمون فتكون وسيلتهم إخفاء الأنظمة والقرارات واللوائح عن موظفيهم أو حتى مراجعيهم، وقد يمتد هذا الإخفاء إلى مرؤوسيهم، وبالتالي يلعبون بالأنظمة والقرارات وفق أهوائهم ودون علم الآخرين، لأنهم بطبيعة الحال لو علموا فإن النتيجة ستكون في غير صالحهم وستجعلهم نمورا من ورق.

وفئة ثالثة لا تؤمن بحقوق الآخرين ويمارسون نوعا من السلوكيات الإدارية ويعتقدون أن الإيمان بحقوق الآخرين مدعاة للانفلات وعدم القدرة على ضبطهم.

وغني عن القول إنه عندما يمنع الموظف من قراءة حقوقه وواجباته فإنه بالتالي يعيش حالة من عدم الاستقرار وعدم الشعور بالأمان الوظيفي، ما يؤثر في مستوى الإنتاجية والرغبة في التطوير المهني.

لكنني في هذا السياق أريد أن أحصر هذا التساؤل في إطار العمل والعمال فلماذا يتجه أولئك المديرون والمسؤولون إلى إخفاء لوائح العمل والأنظمة الخاصة بشؤون الموظفين والحقوق والمزايا وما في حكمها عن الآخرين وبالذات موظفيهم؟ هل هناك مكاسب ومصالح لا يودون من الآخرين الاطلاع عليها؟ ولماذا لا يقومون بالشفافية؟ مما يؤسف له أن هذه الظاهرة، مع الأسف ظاهرة، تجدها مستشرية في القطاعين العام والخاص على حد سواء، في مخالفة صريحة لجميع الأنظمة والقوانين، ولن أذهب بعيدا، فهذا هو نظام العمل السعودي الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/51) وتاريخ 23/8/1426هـ بين يدي ولنستمع للمادة الثانية عشرة، التي تنص على التالي: ''يجب على صاحب العمل والعامل معرفة أحكام نظام العمل بجميع محتوياته ليكون كل منهما على بينة من أمره وعالما بما له وما عليه''، بل هذه الفقرة نصت أيضا على نقطة جديرة بالانتباه عندما ألزمت صاحب العمل الذي لديه عشرة عمال فأكثر أن يقدم لوزارة العمل خلال سنة من تاريخ سريان هذا النظام لائحة تنظيم العمل تتضمن الأحكام الداخلية للعمل في منشأته. وقالت: ''يجب أن تكون هذه اللائحة شاملة قواعد تنظيم العمل وما يتصل به من أحكام، بما في ذلك الأحكام المتعلقة بالمميزات والأحكام الخاصة بالمخالفات والجزاءات التأديبية بما لا يتعارض مع أحكام هذا النظام''. ولننتقل إلى المادة الثالثة عشرة من نظام العمل نفسه، التي تنص صراحة: ''على صاحب العمل أن يعلن اللائحة بعد اعتمادها في مكان ظاهر في المنشأة أو بأي وسيلة أخرى تكفل معرفة العاملين بها''. إذن التشريع وسن القانون الذي يكفل حق الموظف وأيضا حق المنشأة معتمد وتم نشره منذ سنوات، ولم يبق سوى التطبيق والعمل ببنوده، وهو الأمر الذي مع الأسف لم يتم في كثير من المنشآت والقطاعات. أعتقد أننا بحاجة إلى تنمية الثقافة الحقوقية، فضلا عن وضع عقوبات رادعة لكل من يحاول أن يتجاهل حقوق الآخرين حتى بمحاولة تجاهل حقهم في المعرفة.


-------------------------------------------- -
تم نشر المقال في صفحة الرأي جريدة الاقتصادية

http://www.aleqt.com/2012/07/17/article_675057.html

تعليقات 0 | إهداء 0 | زيارات 365


خدمات المحتوى


د. عبدالله الحريري
د. عبدالله الحريري

تقييم
1.00/10 (18 صوت)

Powered by Dimofinf cms Version 3.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Inc.