مواقع التواصل .. وين بتوصلنا؟
07-31-2012 08:25
نعلم أنه عندما بدأت مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية بإدخال شبكة الإنترنت إلى المملكة في عام 1998م وجدت الاحتفاء والاهتمام الواسع من شرائح المجتمع السعودي كافة، وغني عن القول الحديث عن أهميتها على مستوى العالم بأسره، ويكفي في هذا السياق تذكر فائدتها فيما يعرف بالحكومة الإلكترونية، وفي الحقيقة القيادة لدينا أدركت هذا الجانب منذ وقت مبكر، فقبل التطبيق الفعلي لهذه الخدمة بعامين كان مجلس الوزراء قد أصدر قراره بإدخال شبكة الإنترنت العالمية إلى المملكة، وهذا يدل على الاهتمام الرسمي.
ودون الدخول في تفاصيل تقديم هذه الخدمة منذ البداية حتى اليوم، فضلا عن أثرها البالغ، الذي عمل الكثير من المحللين النفسيين والدارسين في مجال العلوم الاجتماعية والتربوية في رصده وملاحظته. لكنني في هذا السياق أريد أن أذكر بتلك البداية حيث كان الاهتمام الجماهيري منصبا بشكل جلي على المواقع التي فيها منتديات للحوار والمناقشة، وكانت الزيارات اليومية لبعض تلك المنتديات تحسب بالآلاف لا بالملايين، وحدث تطور أن بدأت توزع خدماتها أو أقسامها فتضع منتدى للسياسة وآخر للثقافة وثالثا عاما ورابعا للتكنولوجيا وغيرها من الأقسام التي تختلف من منتدى إلى آخر، ومعظمنا كتب في تلك المنتديات إما مواضيع أو ردود وتعليقات على ما يتم نشره، وأيضا البعض استتر خلف أسماء مستعارة، فكانت فرصة ثمينة لضعاف النفوس للنيل من ثوابتنا ومبادئنا، فضلا عن ديننا الحنيف، وآخرون وجدوها فرصة للتقليل من الإنجازات، وشتم هذا والافتراء على ذلك وتصفية حسابات، من أشهر هذه المنتديات كانت الساحة العربية، وقد كانت ميزتها أنها أعطت الفرصة لكل حاقد وحاسد على هذه البلاد بالنيل منها والتشكيك في مسيرتها وإنجازاتها، أتذكر ذلك الكم الهائل الذي كانت تكتبه أقلام سوداء تختفي خلف أسماء مستعارة وتتستر برداء الدين والقيم، فتكذب وتفتري وتنشر الشائعات. بالأمس القريب أعلن عن إغلاق موقع الساحة العربية، وقبلها توالت الإغلاقات لمواقع مماثلة، وكان هذا بسبب تراجع الاهتمام الجماهيري بها والانخفاض المستمر في الزيارات، وكان هذا طبيعيا، فالموجة الجماهيرية كانت قد ذهبت منذ فترة من الزمن نحو إنشاء المدونات، أو موضة المدونات، حتى ظهرت لنا أسماء المدون الفلاني بل الحقوقي والمدون، وباتت صفة لمن لا صفة له، ويكفيك أن تزور أحد المواقع التي من ضمن خدماتها تقديم مدونات مجانية فتنشئ لك واحدة وتملأها بكل موضوع مستفز وخارج عن السياق العام، لتهطل عليك التعليقات والزيارات، وبحسب أحد خبراء تقنية الإنترنت، فإن كثيرا من المدونين كانوا يكتبون تعليقات وهمية على مواضيعهم بأسماء لا تمت للواقع بأي صفة، حتى تجد أن موضوعا واحدا لاقى من التعليقات المئات، أيضا خفت الاهتمام بالمدونات والمدونين أمام مد مواقع التواصل الاجتماعي التي كانت الرائدة فيها ''فيسبوك'' ثم ''تويتر''، واستمرت - مع الأسف - سطحية البعض من أبنائنا وبناتنا في تلقي الأخبار الكاذبة أو تلك المزورة التي لا أساس لها، ومع الأسف، فإن من كان يكتب قبل نحو أكثر من 20 عاما في المنتديات بأسماء مستعارة فيؤلف الأكاذيب ويصدر الشائعات هو نفسه من يكتب اليوم في ''الفيسبوك'' أو ''تويتر'' بحاسب لا يحمل إلا اسما واحدا كمجتهد أو ممتاز، أو غبي. إنها العقلية نفسها والتوجه المريض نفسه الذي يريد من العالم أن يسير على منهجه ونسقه.
الإنسان السعودي يتعرض للمزيد من الضغوط الصادرة من مواقع التواصل الاجتماعي، فالسمة السائدة على مثل تلك المواقع انتشار الحوارات غير المتكافئة التي تبث السلبيات والشائعات التي تعزز المعتقدات والأفكار الخاطئة وتشجع سوء الظن والشك والتجسس.
هذه المثيرات التي يتعرض لها عقل الفرد تكون لديه مع الوقت بنية معرفية مرضية تؤدي به إلى المزيد من القلق والإحباط ثم الاكتئاب، فعندما يتعرض الفرد إلى مثيرات سلبية تعزز عدم التفاؤل والإحباط وأن الحياة سوداوية وأن المبادرات الإصلاحية لا فائدة منها يتعلم عادات فكرية غير حميدة تتنافي أولا مع مبادئ الإسلام والإحسان والسلوك الحضاري وتصبح الأحداث والمواقف كارثية، ما يجعله عند أي موقف يفسر الأمور ويؤولها تأويلا غير منطقي وغير عقلاني، وقد تتولد لديه الكثير من المعتقدات الخاطئة تجاه تلك الأحداث والمواقف.
الإنسان إذا لم يحول طاقته الفكرية إلى سلوك إيجابي بناء يصبح كفأر التجارب يستسلم لكل تجربة وفكرة ثم ما يلبث أن يصاب بالإحباط لأنه يعيش صراع الإقدام والإحجام، وهذا ما قد يتلف عضويته ونفسيته ويضعف جهازه المناعي سواء الجسدي أو النفسي، ما يجعله دائم الاعتلال، وهناك من القيم الدينية والحضارية ما يدعو لتجنب ما يوقظ السلبيات والأفكار الخاطئة كالحديث النبوي ''حامل المسك ونافخ الكير''... إلخ. وإذا أردنا أن نصبح أصحاء فيجب أن نراجع أنفسنا ونقيم مواقفنا من وسائل التواصل الاجتماعي.
------------------------------------------------- ---
تم نشر المقالة في جريدة الاقتصادية عل الرابط:
http://www.aleqt.com/2012/07/31/article_679079.html
|
خدمات المحتوى
|
د. عبدالله الحريري
تقييم
|