المقالات
مقالات د. عبدالله الحريري
وأخيرا «اكتشفنا» و«فوجئنا» بأن هناك إهمالا
وأخيرا «اكتشفنا» و«فوجئنا» بأن هناك إهمالا
08-07-2012 11:17

أصبحت حياتنا اليوم اكتشافات ومفاجآت بطلها الإهمال وضعف المتابعة وعدم تحمل المسؤولية.. كل يوم تطالعنا الصحف اليومية والإلكترونية بأن المستشفى أو مركز الرعاية الصحية لا يليق أن يكون منشأة صحية، وأن هناك حفرة أو كيبل كهربائي يهدد الناس وأن المواطن الفلاني يعيش في صندقة لأكثر من ربع قرن وأن هناك عمالة وافدة منتشرة نتعامل معها ونشتري منها في البقالات والمولات والمكاتب وأنها تستحوذ على أكثر من 80 في المائة من تجارة التجزئة، ومع ذلك لا نزال نكتشف ونفاجأ وما خفي كان أعظم. مسؤولونا وموظفوهم الذين هم في الأصل من كوكبنا يعايشون واقع تلك الأمور كما نعيشها فهم يشترون ويتعاملون مع أولئك ويمشون بسياراتهم فوق تلك الحفر ويرون الإهمال وضعف الصيانة ويقرؤون الصحف ويتابعون وسائل الاتصال ويسمعون معاناة الناس ومناداتهم، ولكن المدهش أنهم يمرون عليها مرور الكرام، وكأن تلك الأمور لا تخصهم!

وفي المقابل نسمع عن أموال كبيرة تنفق وخطط طموحة وبربقندا إعلامية لجميع مؤسسات الدولة دون استثناء، ولكن عندما نرى الواقع نجد الأمور مختلفة فلا شك هناك إنجازات على مستوى البنية التحتية ولكن هناك في المقابل قصور في التشغيل وتقديم الخدمات والرقابة والمتابعة وأخشى أن تنطبق عليهم مقولة ''أسمع جعجعة ولا أرى طحنا''.

السؤال المحير ماذا يعمل أولئك في مؤسساتنا الحكومية التنفيذية والرقابية، وما المهام اليومية والأسبوعية التي يقومون بها وما هو إدراكهم ومفهومهم عن الإدارة التنفيذية وإدارة الخدمات وإدارة الوقت وجودة العمل، ولا سيما أن بعضهم يحمل شهادات من أفضل الجامعات العالمية ومكتبه مليء بشهادات الشكر والدروع، ومع ذلك تكون نتائج أعمالهم وإداراتهم بهذا المستوى من التراخي والإهمال وضعف المتابعة والرقابة.

هل القضية قضية إمكانات وقدرات شخصية، وهذا الأمر يفتح أمامنا ملف اختيارنا للشخصيات القيادية، فهل نختارها حسب المعايير النفسية والمعرفية أم حسب الشهادات والسيرة الذاتية والمحسوبيات والمصالح الفئوية أو الأسرية؟ الواقع يقول إننا نفتقر للشخصيات القيادية والإدارية وما لدينا هم شخصيات إدارية فقط تدير تلك المنشآت باعتبارات ذاتية وأهواء وانفعالات ودكتاتوريات ومعتقدات ذاتية فهي ''لا تهش ولا تنش'' على مستوى الإنتاجية والخدمات وأحسن ما فيها التنظير وسواليف النقد خاصة في المجالس وبالتحديد إذا ترك المنصب أو أعفي منه. ولا يدرك أولئك أنهم بذلك قد ضيعوا علينا الوقت والموارد وساهموا في إحباط الناس وعدم إسعادهم.

هناك فرق ما بين القائد الإداري، والقائد الضعيف أو المدير الطاغية كما أشار إليه الدكتور غازي القصيبي ـــ رحمه الله ـــ في كتابه الشهير حياة في الإدارة، فهو يرى أن القائد الإداري يجب عليه استخدام الشدة في مواجهة الإهمال والقصور، ويؤكد في نصيحة للإداري بأن عليه أن يتحقق من الخدمة التي يقدمها جهازه بنفسه وأن الإداري الفاشل هو من يلجأ إلى الأسلوب البيروقراطي ''كتبنا وطلبنا'' لحماية نفسه من المسألة واللوم، ويقول في كتابه إن القائد الإداري لن يكون مثالا إذا ظلت منجزاته في الكتمان، فالإداريون الذين يسترون ما يقومون به لا يختلفون عن أولئك الذين يقول المثل الشعبي إنهم ''يغمزون في الظلام''، ويشير بأن على المسؤول الالتقاء بالمواطنين وأن المواطن عندما يصل به الأمر لمراجعة الوزير فهو دليل على إهمال الإدارات التي تحته.

ويؤكد على أهمية دور القائد الإداري في الجولات على حساب الركون خلف الكرسي لرؤية الأوضاع على الطبيعة، للمساعدة على اتخاذ القرار، ويجب أن تكون جزءا روتينيا من طبيعة عمله ليس فقط للرقابة من أجل العقوبة بل أيضا للشكر لمن يعمل بكفاءة حتى لا '' يفاجأ'' أو ''يكتشف'' أن هناك قصورا وإهمالا.



-------------------------------------------------- --
تم نشر المقال في جريدة الاقتصادية عبر الرابط التالي:
http://www.aleqt.com/2012/08/07/article_681012.html

تعليقات 0 | إهداء 0 | زيارات 345


خدمات المحتوى


د. عبدالله الحريري
د. عبدالله الحريري

تقييم
1.00/10 (16 صوت)

Powered by Dimofinf cms Version 3.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Inc.