المقالات
مقالات د. عبدالله الحريري
العيد.. دلالات التغير وأزمة التواصل الإنساني!
العيد.. دلالات التغير وأزمة التواصل الإنساني!
08-28-2012 07:40




لا شك أن تقنيات الاتصال الحديثة، أسهمت في تسهيل حياتنا، وقدمت لنا خيارات عديدة ومتنوعة خلال مسيرتنا اليومية، بل باتت متداخلة في كافة تفاصيل علاقاتنا الاجتماعية، بل كافة أطر التواصل الإنساني، هذا ملاحظ ولم يعد محل ظن أو تشكيك. وفي مقابل خدماتها العظيمة، أسهمت بطريقة أو أخرى في تكاسل اجتماعي - إذا صح التعبير - فهي حولت التواصل الحميم الدافئ إلى آلية تتم وفق سلسلة اتصالية. على سبيل المثال السيل الجارف من التهاني بمناسبة حلول عيد الفطر، التي تنوعت في الصياغة، بل في زخرفة الرسالة، ورسائل أخرى حملت دلالات لغوية وتعابير في غاية من المهارة، وجميعنا يعلم أن هذه الرسالة، قد دارت على المئات حتى وصلت إليك. ليس هذا وحسب فقد غذى هذا التوجه، تحول شركات بأسرها إلى تقديم خدمات الرسائل لمشتركيها، وفق مبالغ مالية محددة، بمعنى ترسل رسالة قيمتها خمسة ريالات لرقم محدد فيرسل لك التهنئة مدبجة ببيت من الشعر أو حكمة أو أدعية وزخارف تتناسب مع أيام العيد أو أي مناسبة تريدها. المعظلة هي اعتقاد البعض أنهم إذا قاموا بهذه العملية – إرسال رسالة تهنئة - فقد أدينا الواجب الاجتماعي سواء في صلة الرحم أو في تواصلنا مع أحبتنا، وأصدقائنا، وأعتقد أن هذا ليس بصحيح. لا يمكن أن نستبدل روح الصوت، وما يحمله من دلالات ودفء وحميمية، برسالة جامدة تحمل حروفا وكلمات مجردة، مهما تم تحميلها من الصور والزخارف، فهي تظل جامدة، ومهما احتوت من كلمات معبرة وفي غاية من الرقة تبقى كلمات جامدة، لا تلامس الشعور ولا تحرك الأحساس. هذا فضلا عن شعورنا المتنامي والمتزايد، أن هذه الرسالة التي تصلنا قد مرت بآخرين بالصياغة والتعابير نفسها، فنحن جميعنا نعلم أنه يمكن بضغطة زر، إرسال عشرات العشرات بل مئات الرسائل لجميع من في قائمتك، ومن ثم يظن البعض أننا قد قمنا بالتواصل الذي يهدف لتقوية الروابط الاجتماعية وينمي العلاقات الإنسانية. وهذا بطبيعة الحال خطأ فادح، فلا يمكن لرسالة توجهها بأي وسيلة من وسائل التواصل سواء عبر التويتر أو الفيسبوك، أو ببرامج الاتصالات – الشات – كبرنامج الوتس أب، أو كاكاو أو برنامج شات أون، وغيرها كثير، التي يمكنك استخدامها في إرسال صيغة من كلمات أو أصوات أو مقاطع فيديو ونحوها مجانا، وهذه جميعها لا يمكن أن تسد أو تكفي عن التواصل الذي يتم عبر الاتصال المسموع أو عبر الزيارات واللقاءات مع الأسرة أو الأقارب أو الأصدقاء.. أعتقد أن لدينا خطأ فادحا ويتنامى مع مرور الأيام، بل يتم ترسيخه، وهو أن هذه الوسائل في الاتصال تغني وتكفي لإقامة رابطة مع الآخرين، والذي أريد أن أؤكد عليه، أنه رغم أهمية مثل هذه الوسائل إلا أنها تبقى عاجزة وغير كافية نهائيا في تنمية علاقاتك الاجتماعية مع الآخرين، بل إنها غير مقنعة لدى شريحة واسعة في جدواها. المطلوب في مثل هذه الأيام أن نستغلها في ترميم علاقاتنا المهترئة أو التي أصابها فتور مع الآخرين بسبب انشغالنا الدائم طوال العام، لا أن نرسل رسالة من بضعة كلمات ونعتقد أنها ستبني وتقوي علاقاتنا، هذا اعتقاد خاطئ تماما وغير صحيح، فلنحذر من الاعتماد على هذه التقنية، ولنشعر كل من نحب بأننا بالقرب منه ولنسمعه على الأقل أصواتنا بعفويتها ونغمتها ورنتها التي لا يمكن لرسالة، ترسل للمئات أن تنقله. بمعنى أوضح استبدل رسالة العيد بمكالمة هاتفية قصيرة لكنها ستكون ثمينة وأيضا أكثر دفئا. أحد الأصدقاء يقول إنه يقوم بالاتصال الهاتفي على جميع أحبته، وإذا لم يرد أحدهم إرسال رسالة مفادها أنه اتصل بهدف التهنئة بمناسبة العيد، وأنه كان يريد سماع صوتهم، يقول: إنك لا تصدق كم كان لهذه الطريقة من أثر في قلوب الآخرين، فهم يعودون للاتصال. لنستغل هذه الأيام في تقوية علاقاتنا بأحبتنا وتنميتها، ولنتلمس أقصر الطرق لتحقيق هذا الهدف.
-----------------------------------
نشرت المقالة في جريدة الاقتصادية:
http://www.aleqt.com/2012/08/21/article_685015.html

تعليقات 0 | إهداء 0 | زيارات 410


خدمات المحتوى


د. عبدالله الحريري
د. عبدالله الحريري

تقييم
1.00/10 (18 صوت)

Powered by Dimofinf cms Version 3.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Inc.