لماذا أصبحت مؤسساتنا التنفيذية مجالس استقبال؟
08-28-2012 07:45
عندما يخصص أي من المسؤولين، وأقصد من هم دون الوزير، أوقاتا محددة لاستقبال الناس، فإنني أعتبرها ظاهرة غير صحية، بل قد تكون دلالة واضحة على خلل في الجهاز من الناحية التنفيذية، ذلك أن الأصل ألا يراجع الناس المسؤول أيا كان لطلب حقوقهم سواء الخاصة أو العامة، بل لا بد على هؤلاء المؤتمنين من ولي الأمر على مصالح الناس، أن يتلمسوا مطالب واحتياجات المواطنين بأنفسهم على أرض الواقع، عليهم أن يذهبوا إليهم وألا ينتظروا في مكاتبهم لحين يأتي المواطن لمراجعتهم.
هذا المبدأ الإداري الخاطئ - تخصيص أوقات لمراجعة الجمهور - جعل مكاتب مديري هؤلاء المسؤولين أشبه بمجالس استقبال تستحوذ على مساحات كبيرة من المبنى الإداري للجهاز الحكومي، ناهيك عن تكاليف الضيافة وإشغال، بل انشغال المؤسسة من رأسها حتى القاعدة باستقبال الطلبات والإجابة عن الاستفسارات والخروج من هدفها اليومي المطلوب منها، ما يترتب عليه بطء في الإنتاجية وقصور في الخدمات المقدمة.
لا توجد مؤسسة حكومية أو وزارة من دون نواب أو مساعدين للوزير أو الوكيل أو المدير العام، وجميعهم مشغولون في اجتماعات ولجان واستقبالات على حساب الدور التنفيذي لتلك المؤسسات، وأصبح الدور التخطيطي والتنظيمي هو المسيطر على الجوانب التنفيذية، بل أغلبية تلك الجهات بدأت تمارس دور المؤسسات المعنية بالتخطيط والدراسات، على الرغم من أن الهدف من إنشائها ليس أن تقوم بذلك الدور المنافس.
وفي ظل هذه التداخلات والتعارض وازدواجية الأدوار انفصلت المؤسسة التنفيذية ومسؤولوها عن المجتمع ومتطلباته وأصبح المواطن مشغولا بالمراجعات، بل يشغل ولاة الأمر بأمور تقاعست عنها تلك المؤسسات، لذلك سادت ثقافة (المعاريض) لفتح قنوات للناس في التعبير عن مطالبهم المشروعة.
المسؤول ونوابه لا يعرفون ما يدور على أرض الواقع، سواء في الشارع أو في الحي أو في القرية والمدينة، لا يعرفون مدى القصور في الخدمات، وألوان وأشكال مختلفة من الفساد، منها تعثر المشاريع وضعف أداء شركات الصيانة والنظافة والتشغيل، بل لا يحسون بمعاناة أصحاب الدخل المحدود من المساكين والفقراء، إلا بعد أن يشتكوا وينقلوا معاناتهم لولي الأمر أو لوسائل الإعلام. وعندها يجدون أنهم آخر من يعلمون وسيجدون أنفسهم في موقف محمل بالدهشة والاستغراب، ثم لا يكون أمامهم إلا موقف المدافع بدلا من الاعتراف بالقصور وإصلاحه وتلافيه مستقبلا. والنماذج يومية ومتكررة بشكل مؤلم ومحزن. فبعض المسؤولين ونوابهم يفضلون البقاء متقوقعين في مكاتبهم بعيدين عن معاناة الناس لأنهم مشغولون ببروتوكولات الاستقبال وجودة القهوة عند الجلوس للاستماع لشكاوى الناس من تعثر خدمات الإدارات التي يشرفون عليها، وبالتالي ضيعوا الوقت في هذه الأعباء وأصبح لا وقت لديهم للزيارات الميدانية، وتلمس حاجات المواطنين، ولو أنهم جعلوا وقت استقبال الجمهور والضيافات وخصصوها للنزول إلى الجمهور والناس والالتقاء بهم وسماع مطالبهم وتفقدوا أحوالهم لاختصروا كثيرا من اللف والدوران، ولتحققت مطالب الناس بالإمكانات المتاحة وبما تملكه تلك الجهات من موارد ولما احتجنا إلى ثقافة المعاريض والشكاوى المطالبة بالخدمات وتحسينها، ولحمينا الناس من الهجولة وإزعاج الناس وتكبدهم المشقة وترك مصالحهم والسفر من مكان إلى آخر، من أجل أن يطالبوا بحقوقهم في الحياة السعيدة والاستمتاع بالموارد المالية لرفاهيتهم. لو أن المسؤول كلف نفسه بالقيام بالجولات الميدانية وجعل نائبه أو مساعده يقوم بالمهام المكتبية لثلاثة أيام في الأسبوع لتم تعزيز دور النزاهة والشفافية مع المجتمع. ولأصبح الناس على علم بما يدور في كواليس تلك المؤسسات، وبماذا تفكر لمصلحتهم، وفي المقابل فإن هذا العمل البسيط والممكن سيعزز الثقة بين مؤسسة الدولة والمجتمع وسيكون هناك نوع من الشراكة المؤسساتية والمسؤولية المشتركة. وهذه الغاية أعتقد أنها طموح كل مسؤول همه خدمة مواطنيه يملك رؤية وأهدافا واضحة يسعى إلى تحقيقها من أولوياتها مساعدة المواطن ومنحه حقوقه دون استجداء ومطالبات.
--------------------------------
نشرت المقالة في الراي لجريدة الاقتصادية:
http://www.aleqt.com/2012/08/28/article_686991.html
|
خدمات المحتوى
|
د. عبدالله الحريري
تقييم
|