إذا لم نثق بالمعلمة فبمن نثق؟
09-11-2012 12:07
في إحدى مدارس الرياض فاجأت المديرة، المغلوبة على أمرها بأمر من إدارة التربية والتعليم، معلماتها بتوزيعها نموذج إقرار من ولي أمر كل معلمة يفيد بموافقته لابنته أو زوجته أو حتى شقيقته، بالخروج من المدرسة أثناء العمل الرسمي متى ما دعت الحاجة، والنموذج يجب أن يوقع ويتم ختمه من جهة عمل ولي الأمر مع إرفاق صورة من بطاقة الأحوال، والمبررات كثيرة لا يسعى لذكرها وعليهن – أي المعلمات – الالتزام بهذه التعليمات الشفوية التي خلفها تعميم مزمع لم يرينه ولم يوقعن عليه.
اليوم أصبحنا نكتشف بعد تطبيق القانون والمساءلات وحماية حقوق الناس والالتزام بالأنظمة الصادرة من الجهات التشريعية، وليست تعليمات التعاميم والأوامر الهاتفية، أن الكثير من القرارات جائرة، وتتنافى مع حقوق الإنسان والنظام الأساسي للحكم، وأصبحت كل جهة أو مسؤول يتهم الآخر بأنه تجاوز النظام أو أصبح الكثير من المواقع والممنوعات لا أساس لها نظاما ولا نعرف من أصدرها والأمثلة كثيرة: كمنع دخول الشباب المولات، ومنع خروج الطالبات من الجامعات حتى إن كانت متزوجة إلا بتصريح وموافقات، والكثير من القرارات والتعليمات الصادرة بالتعاميم التي يتم إصدارها كل أسبوع أو شهر حسب مزاج ومخاوف ومعتقدات وتوجسات ووساوس أي مسؤول، ما خلق نوعا من الاستثناءات والتجاوزات على الأنظمة التي يجب أن تصدر من الجهات التشريعية وبقرار سام أو بقرار من مجلس الوزراء. وهناك قاعدة معروفة: لا رسوم إلا بمرسوم، ولا نظام إلا بمرسوم، حتى لا تتحول التعاميم بفعل العادة والعرف قاعدة وتمارس دور النظام والقانون، وحتى لا يخرج لنا كل يوم تعميم أو تعليمات تحد من حركة الناس المكتسبة بالنظام وبالنظام الأساسي للحكم الذي هو الدستور المدني لنا بعد القرآن الكريم والسنة المطهرة.
المهم في الموضوع أن التمادي في مثل هذه التجاوزات تعزز ثقافة الشك وأزمة ثقة بين المسؤول وغير المسؤولة وكأن الناس فئتين مسؤول يجب أن يكون مسؤولا مسؤولية كاملة وشاملة وقطعية عن كل شيء يخصنا حتى أفكارنا وأجسادنا، وفئة أخرى غير المسؤولين وهم بقية المجتمع الذي يجب عليهم الإذعان وعدم تحمل المسؤولية وعدم المشاركة في المسؤولية.. وإذا بدأنا نشك ولا نثق بالمعلمة التي تربي وتعلم أجيالنا فمن نثق به؟ وإذا بدأنا ننظر هذه النظرة غير المسؤولة والخاطئة للمعلمة وكأنها قاصرة وليست لها حقوق وعليها واجبات مثلها مثل أي موظف من المعلمين وغير المعلمين، فكيف نحملها مسؤولية الأجيال القادمة؟
أعتقد أن بعض مؤسساتنا ما زالت تدار بأفكار عفا عليها الدهر، وتقوم على مبدأ يجب على المسؤول أن يحمي نفسه من المسؤولية ومن المساءلة كوقاية وكإجراء استباقي لما قد يحدث، وأنها الأفضل كطريقة للأخذ بسد الذرائع واختلاق الأعذار والمخاوف والشكوك التي تحميه من المسؤولية، وهناك بعض المسؤولين من يصنع المشكلات والأحداث واستخدام وسائل التواصل لتعزيز مخاوف المجتمع وإعطاء قراراته المتشككة صبغة اجتماعية مؤيدة ويشغل نفسه ومن حوله من المواطنين بالمبالغة في التحوطات والعمل خلف الكواليس ومن دون شفافية والأخذ بمبدأ: خليك في الظل، من أجل حماية نفسه من المسؤولية، وهذا ما يتنافى مع مبدأ تحمل المسؤولية ويتعارض معها.. فإذا كان المسؤول ضعيف الشخصية ولا يتمتع بشخصية قيادية مسؤولة أو شخصية سلبية أو سلبية عدوانية وليس من الشخصيات التوكيدية فمن باب أولى ألا يتحمل المسؤولية ويتركها لمن تتوافر فيه تلك الصفات، فليس من العدل السماح لمثل أولئك باللعب بنفسيات وحقوق الناس وسلوكياتهم.
-------------------------------------------------------- -
نشرت المادة في صفحة الرأي جريدة الاقتصادية
http://www.aleqt.com/2012/09/11/article_691560.html
|
خدمات المحتوى
|
د. عبدالله الحريري
تقييم
|