ما بين المنجزين والمحبطين مسافات وأفكار
09-25-2012 05:50
ما يميزنا في المملكة أن أغلبية المواطنين الذين تبلغ أعمارهم منتصف العمر عاصروا ما قبل وما بعد المتغيرات والتطورات التنموية الحضارية.. عاشوا الاتريك والزيتة والشمع والفانوس والسراج واللمبات، وعاصروا التلفزيون الأبيض والأسود ثم الملون عالي الدقة، وعاشوا في البيوت المسقوفة بالخشب والمبردة بالمراوح اليدوية أو مراوح السقف والجلاسية والبيوت المسلحة المكيفة ومشوا على الشوارع والطرق الجبلية غير المعبدة ثم على الطرق المعبدة وبأرقى المواصفات العالمية.
هذه المميزات قد لا تتوافر في أغلب الشعوب المتجذرة في الحضارات المعاصرة منذ قرون، فإما أن تجد جيلا عاش في مرحلة وجيلا عاش في مرحلة أخرى.. مما قد يكسبنا قدرة تثمينة وتقييمة لمستوى النمو المتتابع الذي تشهده المملكة. وفي الذكرى الثانية والثمانين للمملكة نجد أن معدلات النمو مقارنة بالدول الأخرى في تصاعد لافت حتى إننا في فترة من الفترات، كنا نقول إننا قد نعاني مشاكل تتعلق بالفوارق الكبيرة ما بين النمو المادي المتسارع والنمو الفكري الطبيعي لأي بشر وكنا نقول إننا قد نعيش صدمات حضارية نتيجة لتفوق النمو المادي التنموي على النمو الفكري، ولكن وجدنا أن هناك فئة تكيفت تدريجيا مع النمو وفئة ما زالت تتصارع وتتصادم معه.
وعندما نقارن عمر المملكة التنموي في الوقت نفسه بالدول التي مرت وتدرجت عبر قرون فقد نظلم أنفسنا وبلدنا، فالمقارنة ليست عادلة فكريا أو معنويا وليس كل من يملك المادة يستطيع إحداث تغيير معرفي بالسرعة التي يريدها، وهذا ما جعلنا اليوم نشتكي من فئة لا بأس بها من الناس الذين يرون أن التقدم التقني حربا علينا لا خدمة لنا، وهذا ما جعل البعض يرفض أي شيء جديد ابتداء من الالتقاط التلفزيوني الفضائي إلى الاتصال والتواصل والإنترنت في السواليف ونقل وتبادل الشائعات وضرب سمعة الناس اجتماعيا.
منذ تأسيس المملكة وتاريخها لافت للانتباه والتأمل فلم يكن طريق التنمية مليئا بالزهور والأرضية الفكرية الخصبة لتقبل أي تطور بل كان هناك الكثير من الأشواك التي تدور حول الوعي المعرفي والمرونة الفكرية والتي كانت تتغذى بالكثير من القيم كالقيم الدينية والعادات والتقاليد والأعراف، فمن الصعب أن يستوعب الضيوف أو يتقبلوا أن يكونوا ضيوفا على كبسة من الرز والدجاج، وقس على ذلك الكثير من الأمور سواء على مستوى عادات الأكل أو اللبس وحتى الأثاث إلى تعليم المرأة.
اليوم عندما نستعرض المسافة الزمنية ما بين البداية إلى يومنا هذا نجد أننا في مملكة رائعة ومدهشة وغريبة الأطوار والمراحل والاتجاهات والأفكار، وتستغرب كيف كان هناك تفكير مستنير ومنظم وعلمي أوجد لنا تسع خطط خمسية تنموية وصنع أكثر من قمر صناعي وأجرينا أكثر العمليات تعقيدا واستخدمنا الطاقة النووية في عدة أغراض أهمها الطب وحلينا مياه البحر وأضأنا أنفاق الجنوب بالطاقة الشمسية وبدأنا بأبحاث الطاقة الشمسية منذ أكثر من ربع قرن... إلخ. ألا ترون أننا أمة عظيمة؟
تعرفون ما نحتاج إليه هو أن نسوق أنفسنا داخليا، فالعالم يعرفنا جيدا وببساطة، فالأمر لا يتعدى كونه أن نبرز هذه الإنجازات والأفكار دون تحطيم وتحبيط وانتقاص من همم الرجال حتى وإن أخطأوا أو قصروا فأكيد كانوا يعلمون وإلا لما رأينا ما نراه اليوم. وأعتقد أن على الدول تبني ما تبنته إمارة دبي من إنشاء إدارة في الحكومة تعنى بتسويق المنجزات وتخصيص مبالغ في الميزانيات لعمليات الرعاية والتسويق لكل منجز أو فكرة، وإعطاء علامة تشبه العلامات التجارية وشخصية دعائية وتسويقية، وهذا ليس هدرا للمال كما يعتقد البعض بل هو اهتمام بالجانب المعنوي والعاطفي والانفعالي وبث روح الأمل والتفاؤل مثل اهتمامنا بالجوانب المادية.
----------------------------------------- -
تم نشر المقالة في جريدة الاقتصادية على
الرابط التالي:
http://www.aleqt.com/2012/09/25/article_695943.html
|
خدمات المحتوى
|
د. عبدالله الحريري
تقييم
|