هل نحتاج إلى المزيد من التسامح مع الفوضويين؟
12-25-2012 05:23
الزحمة المرورية الناتجة من تحويلات بعض مشاريع الطرق زادت من الفوضى المرورية في تلك الأماكن؛ لأن كل واحد يريد أن يصل قبل الآخر، وفي آخر المطاف كل واحد يمنع الآخر من الوصول، فمسألة الأخلاقيات المرورية وضعها البعض على جنب، المهم في الموضوع أن تلك الفوضى فاقمت من تجاوزات موجودة بدأت تنمو بشكل لافت للانتباه، وأصبح يتجاوز المتجاوزون إلى التعدي على حقوق الآخرين في الشارع.
اليوم؛ التفحيط وتظليل السيارات بالكامل وقطع الإشارات وعكس اتجاه السير وامتطاء الأرصفة أصبحت من العلامات الفارقة لأغلب الطرق لدينا، وكان في السابق نجد سيارة واحدة تقطع الإشارة المرورية أو السير بعكس الاتجاه، واليوم أصبحنا نشاهد العدد يتزايد لدرجة قد تجد نفسك والبعض القليل من الناس يلتزم بعدم التجاوز، وأن يسلك سلوك القطيع مع الآخرين.
اليوم أيضا من النادر أن ترى سيارة شاب ما لم تكن مظللة بالكامل، ولا أعرف السبب وراء ذلك، فهي ليست سيارة عائلة كما يتحجج البعض، وليس هناك أي هدف من التظليل سوى إخفاء الشخصية عن الناس، وهذا إجراء يطرح الكثير من التساؤلات. الغريب في الأمر بدأت أشاهد وفي استخدامي للشارع في اليوم أكثر من مخالفة يقوم بها الإخوة المقيمون وبجرأة، علما بأنني أعرف أنهم لن ولم يقوموا بمثل هذه التجاوزات في بلادهم فما الذي دفعهم إلى ذلك؟ علما بأنها تجاوز غير محمود عواقبه في حالة حدوث حادث أو ضبط رقيب.
أعتقد أن هناك رغبة ملحة لتجاوز القانون، فقانون المرور الجميع يحفظه ويعرفه جيدا، وما يحدث هو عملية إسقاط لعدم الرضا أو الرغبة في تطبيق النظام وعدم احترام حقوق الآخرين، وإذا حدث في أي مجتمع مثل هذه المعتقدات والأفكار ثم ممارستها على أرض الواقع، فإنه نذير لعدم احترام القانون، والذين يقومون عليه، وهو مؤشر واضح للممارس العنف والعدوان على الآخرين وعلى الدولة من خلال الشارع.
كنا في الأول نقول إن مثل هذه التجاوزات محصورة على المراهقين، واليوم أصبحت تمارس من كل الفئات العمرية والمقيمين، بل تستغرب عندما تجد أغلب من يصلون الجمعة في حي ..... بالرياض على سبيل المثال يعكسون الشوارع الرئيسة، وكأنه من حقهم القيام بمثل هذا السلوك، فما هو الرادع بعد ذلك؟
كما يبدو نحن نعيش فوضى سلوكية بامتياز، فعندما تحول القانون ومن يطبقه إلى متسامحين فهمت أنه نوع من أنواع السماح، فلم يعد هناك اكتراث أو حساب لحقوق الآخرين ولا للقانون، وأصبح البعض يستمرئ الأخطاء ويميل إلى التجاوز أكثر من ميله للسلوك الإيجابي واحترام النظام، ومع الوقت تتحول مثل هذه السلوكيات بفعل العادة إلى واقع يمارس بانتظام، وسيجد الكثير من الناس الصعوبة في التخلص منه، بل قد تجد الدولة أنها غير مرحب بها عندما تريد أن تفرض القانون، وهذا مؤشر يقلب المعادلة الأمنية من الشراكة، وأن المواطن والمقيم هو رجل الأمن الأول إلى العكس، وسيصبح تطبيق القانون والعقوبات سواء مالية أو بإحكام قضائية نوعا من التعسف والتكسب من الناس كما حدث في ساهر، ولن يقبلوا بأي حل لتطبيق النظام، بينما يذعنون له ويحترمونه إذا خرجوا خارج الحدود، وتعتبر المخالفة المغلظة وحرمانه الفيزا بردا وسلاما ولا أحد يعلق، ومن المتناقضات أن من ينتقد أي عقوبة هنا يمتدحها هناك، ويعتبر تلك الدول متحضرة وديمقراطية ويتمنى أن يعيش فيها.
وفي هذا لا يمكن التعويل فقط على الأخلاق والقيم والعادات والتقاليد والأعراف، فكما يبدو فإن تأثير تلك القيم أصبح عكسيا، وشجع المزيد من التسامح والواسطة والشفاعة ضد تطبيق القانون واحترامه، ويجب ألا نعول كثيرا على كاميرات المراقبة المحدودة الانتشار مقابل الانتشار والوجود الأمني طوال الأسبوع، وليس من خلال الحملات، فهناك علاقة سلوكية بين رجل الأمن على أرض الواقع وبين تعديل السلوك والخوف من الأخطاء، وإذا كانت القطاعات الأمنية تعاني من القوى البشرية، فيمكنها توظيف العاطلين، ولكن إذا لم يستغل العدد فسيكون عبئا وتضخما، وسنجدهم يتزاحمون في المكاتب.
------------------------------------------------------------------------- --
نشر المقال في جريدة الاقتصادية
http://www.aleqt.com/2012/12/25/article_719677.html
|
خدمات المحتوى
|
د. عبدالله الحريري
تقييم
|