السكن والمنحة والهجرة.. ثلاثي تحدي التنمية
01-09-2013 06:45
من التحديات التي تواجهها المملكة التغيرات التي حدثت في الأنماط السلوكية للسكان وفي نمط الأسرة السعودية من الأسر الممتدة التي تشمل الأبوين والأحفاد إلى الأسرة النووية التي تقتصر على الزوج والزوجة، وأيضا الهجرة من المناطق النائية إلى المناطق الأكثر نموا وتنمية، وقد ساهمت كل هذه العوامل في الطلب على الأراضي الصالحة للبناء والسكن.
كما نعلم جميعا أن النسبة العظمى من المجتمع السعودي مجتمع ينحدر من قبائل أو عوائل متجذرة مكانيا فمنهم من كان موطنه الأصلي القرية أو كما يعرف لدى البعض "الديرة". هاجر أبناؤها بالتدريج بحثا عن مواصلة الدراسة الجامعية والعمل واستوطنوا المدن الرئيسة، وتبعهم بقية أسرهم وأقاربهم، وبالتالي تركوا وراءهم مزارعهم وبيوتهم وأراضيهم. الآن من الصعب عليهم أن يعيشوا في بيئة فقيرة اقتصاديا وتنمويا، وعلى ضوء ذلك فإنهم مكتفون من ناحية الأراضي والسكن العائلي ولكن لا تلبي احتياجاتهم الحضارية. ومع أن الدولة سعت في الآونة الأخيرة إلى التنمية المتوازية والمتوازنة لجميع مناطق المملكة وبالذات الطرفية، إلا أن الموضوع يحتاج إلى بعض الوقت لكي تكون هناك هجرة عكسية ونشاهد عودة إلى الموطن الأصلي ويساهمون في تنميته والاكتفاء على الأقل من حيث الأراضي والسكن.
اليوم الكثير من المحافظات المحيطة بالمدن الرئيسة في المملكة بدأت تستعيد عافيتها وتنمو تدريجيا بعد فتح الجامعات فيها وبالتالي ألغي سبب الهجرة ولم يتبق إلا عنصر أو سبب واحد من العناصر الرئيسة وهو العمل، مع العلم أنه في حالة توافر المواصلات العامة كالقطارات بين المحافظات والمدن الرئيسة، فإنه سيساهم دون شك في إعادة توطين الناس في مواطنهم الأصلية، ويمكنهم من الذهاب لمقار أعمالهم يوميا عبر القطارات إلى المدن الرئيسة ويعودوا بيسر وسهولة ودون عناء كما يحدث الآن في لندن والمقاطعات المجاورة لها.
العمل على معالجة الخلل السكاني وأثره في الاقتصاد والتنمية بصفة عامة بسبب الهجرات السكانية سيكون له أثر بالغ في مفاصل حياتنا اليومية وفيه حل للعديد من المشاكل الكبيرة مثل مشكلة السكن، والتي تعتبر واحدة من أهم التحديات وأكبرها، والتي تؤرق كثيرا من الأسر السعودية. لذا نبع وظهر مفهوم السكن الميسر، وظهر التساؤل كيف نوفر العوامل والأدوات التي تحقق الهدف من سكن ميسر في بيئة تنموية جاذبة، حتى يتحقق الاستقرار الاجتماعي؟ وغني عن القول أن هذا يتطلب أن نراجع الخطط التنموية كافة لتحقيق التنمية المتوازية والمتوازنة لجميع مناطق ومحافظات وقرى المملكة لأنها قيم مضافة إلى المصادر التي تتمتع بها المملكة. ويجب أن نقضي على هاجس السكن في دولة شاسعة كالمملكة بتنمية ما هو متوافر حاليا وإيجاد تجمعات سكنية وسكانية على مساحات بالقرب من المدن الرئيسة تتوافر فيها كل المتطلبات التنموية. من المفارقات العجيبة في ملف السكن والإسكان في المملكة، موضوع المنح وأقصد منح الأراضي، هذا البرنامج الذي مع الأسف بات مشكلة أكثر مما هو حل للقضية، فهم قلة الذين تلقوا منح أراض وكانت مناسبة لهم وقاموا ببنائها والسكن عليها. ونعلم جميعا أن مفهوم منح الأراضي نفسه بات يحتاج لتصحيح حيث يعتبرها البعض فرصة للحصول على المال، فهو بمجرد ما يحصل على قطعة أرض يقوم بعرضها للبيع، وهذا بطبيعة الحال له أسباب منها أن يكون موطنه أو محل إقامته في الشمال ويتم منحه في أقصى الجنوب أو أقصى الشرق، والعكس أيضا، ونعلم جميعا أن هناك من يعيش في منزله وبجواره أراضيه ويقدم على منحة أرض، ويحصل على واحدة وهو أصلا غير محتاج، فلديه سكن. نحن أمام معضلة تتعلق بمنح الأراضي أولا في التنظيم نفسه وثانيا في تصحيح أفكار البعض من سكان المملكة حول توجهه لطلب المنحة وهو أصلا غير مستحق لها فيحرم الآخرين الأكثر حاجة ولا يملكون منزلا منها. التوجه الحالي للدولة في دعم التنمية وإقامة مشاريع ضخمة وكبيرة كالجامعات والمدن الصناعية في القرى والهجر والمدن الصغيرة توجه حكيم وسيكون له أثر كبير ليس في حل مشكلة الإسكان والسكن في المدن الرئيسة في المملكة، بل سيكون فيه حل لكثير من المشاكل منها الاختناقات والازدحام في المدن الكبرى، وكذلك منح جميع المواطنين فرصة كبيرة للحصول على وظائف مناسبة بالقرب من مقار سكنهم ودون مغادرة بيئتهم ومكان عيشهم الذي ألفوه ونموا فيه، فضلا عن تنامي تعلم الفرد ووصوله إلى التعليم العالي والذي دون شك سكون له أثر بالغ في معالجة السلوكيات الخاطئة وتصويب كثير من الأفكار السلبية، وهو ما يعني تطور الحياة البشرية واستقرارها ورقيها. ----------------------------------------------
تم نشر المادة في صفحة الراي جريدة الاقتصادية
http://www.aleqt.com/2013/01/08/article_723231.html
|
خدمات المحتوى
|
د. عبدالله الحريري
تقييم
|