المقالات
مقالات د. عبدالله الحريري
ساعات العمل ثقافة طاردة للتوطين!
ساعات العمل ثقافة طاردة للتوطين!
02-19-2013 12:06



هناك جملة من الأسباب التي تعوق مسيرة توطين الوظائف، ولا يمكن معالجة أحدها بمعزل عن الأخرى، وندعي أننا قد مهدنا الطريق للفتيات والشباب للالتحاق بسوق العمل.

جميعنا يعلم أن سوق العمل السعودية، تستوعب فتياتنا وشبابنا وأيضا تبقى وظائف شاغرة، وهذا ليس كلامي بقدر ما أنها لغة الأرقام التي تشير إلى أرقام فلكية لوظائف يعمل فيها حاليا عدد من الإخوة الوافدين، ولا نقول أيضا إنها وظائف تخصصية أو ذات مهارات نادرة ونحوها، أو أنها وظائف متدنية لا يمكن أن يقبل بها الشاب السعودي، بل على العكس تماما إنها وظائف إدارية يمكن بقليل من التدريب ومهارات متواضعة على الحاسب الآلي إتقانها.

ونعلم جميعنا أن هناك شركات ومؤسسات يعمل فيها غير سعوديين، في وظائف تمت سعودتها أو تم تصنيف وظائفها من وزارة العمل بأن لا يعمل عليها إلا مواطنون، وهي كثيرة مثل السكرتارية والموارد البشرية - شؤون الموظفين - المحاسبة، المشتريات، المبيعات، التسويق، وغيرها. ورغم هذا تجد رؤساء أقسام ومديرين غير سعوديين يعملون في مثل هذه الوظائف، والمضحك في هذا الإطار هو قيام إحدى المؤسسات بإعلان وظائف للسعوديين وضعت إيميل يفتحه ويراجعه رئيس قسم الموارد البشرية الذي كان من الإخوة الوافدين، وكلما سأل صاحب المؤسسة ألم تصل طلبات وظائف من سعوديين، كان يقول لم يصل ولا حتى طلب واحد. صاحب المؤسسة كان منزعجا جدا، لأن ''نطاقات'' قد ضيق الخناق عليه وهو يحتاج لما يقل عن ثلاثة مواطنين لتوظيفهم، فما الذي حدث؟ ببساطة متناهية قام هو بالدخول على الإيميل ليجد ما لا يقل عن 700 سيرة ذاتية من شباب وفتيات بلادنا الحبيبة، ملقاة بين جنبات الإيميل نتيجة إعلان واحد صغير في جريدة محلية. نحن أمام معضلة حقيقية وما تفعله وزارة العمل من إجراءات وما تصدره من قرارات أغضبت الكثيرين، ولا تلام فهي أمام تحدٍ حقيقي ومسؤولية تاريخية بكل ما تعني الكلمة، وبقي دور رجال الأعمال والقطاع الخاص.

لا شك أن فتياتنا وشبابنا يفضلون العمل في القطاع العام على العمل في القطاع الخاص، نتيجة لجملة من الأسباب، منها ما يسمى الأمن الوظيفي وأيضا الأجور وساعات العمل، وهذه الثلاثة واحد منها وهو الأمن الوظيفي جميعنا شاهدنا أنه قد تجاوزه الزمن، لكن الغريب هو قضية الأجور، فكم سمعنا أن القطاع الخاص هو الأعلى في المرتبات عن القطاع الحكومي، وأن رواتبه والمردود المادي فيه أفضل بكثير، لكن الغريب أن الدولة تدخلت لفرض حد أدنى للأجور في هذا القطاع الذي منح أبناء البلد رواتب لا تزيد على 1500 ريال وأقل. عموما أيضا تم تجاوز هذه المعضلة بمجرد ما فرضت قيود على الشركات والمؤسسات ووضعت برامج لتوطين الوظائف، وهو ما يأمل أن يخلق تنافسا على المواطن ومحاولة كسبه وإغرائه بالوظيفة، وهو ما يعني زيادة في الرواتب. بقيت قضية مهمة جدا، وهي لا تمس التوطين والتوظيف وحسب، بقدر ما تسيء للعدالة وحقوق الإنسان، وهذه القضية تنحصر فيما يسمى بساعات العمل، وتحديدها وفق القوانين الدولية والشرائع التي تعارفت عليها ووقعتها بلادنا. والعمل وفق ساعات محددة نحن في أمس الحاجة لنشر ثقافته حتى داخل منازلنا، حيث تجد العاملة المنزلية تعمل منذ الصباح الباكر حتى ينام آخر طفل في المنزل في آخر الليل، وهذا مخالف تماما لشريعتنا الإسلامية ومخالف أيضا لقوانين وأنظمة دولية وقعت عليها بلادنا، والذي أشير إليه، أن المعضلة تبدأ من المنزل مع الخدم والعاملين داخله، وتمتد حتى تصل لكافة مفاصل القطاع الخاص، حيث تجد بعض القطاعات تعمل لعشر ساعات، وهذا غير معقول وغير مقبول، فضلا عن عدم التمتع بإجازة إلا ليوم واحد من الأسبوع فقط، وليس بالضرورة أن يكون يوم الجمعة. أعلم أن هناك لجانا درست هذا الموضوع وأن هناك توصيات رفعت وينتظر إقرارها، إلا أنه حتى يتم إصدار قرار حولها، نحن نطالب بتحديد ساعات العمل في القطاع الخاص، ويشمل المحال التجارية على مختلف الخدمات التي تقدمها دون استثناء - عدا مرافق كالصيدليات والأسواق الكبرى والمقاهي والمطاعم - في حدود ثماني ساعات، وأن تكون الإجازة الأسبوعية يومين أسوة بالقطاع الحكومي. مثل هذا القرار سيوفر بيئة عمل مناسبة وعادلة، وفي الوقت نفسه ستكون له عوائد وطنية كبرى؛ منها ما هو اجتماعي كإتاحة الفرصة للموظف والموظفة أن يعود مبكرا إلى البيت عند الساعة التاسعة كحد أقصى لممارسة دور اجتماعي، إلى جانب تخفيض الاستهلاك الكهربائي وما يترتب عليه من استهلاك للطاقة وتخفيف الضغوط على الطرق وتقليل الازدحام، وأيضا إتاحة الفرص للمواطنين والمواطنات للعمل في المشاريع الصغيرة كالبقالات وما في حكمها لأنها قريبة من منازلهم، ومع الوقت سيجد المجتمع نفسه متكيفا مع تحديد أوقات فتح المحال التجارية بتنظيم وقت مشترياته وعدم الركون إلى إدارة حياته بشكل طارئ وفي أي وقت، فلا بد أن تعيش المدن والناس من السكون والهدوء على الأقل نصف اليوم حتى تستعيد نشاطها وحيويتها.

----------------------------------------------
تم نشر المادة في صفحة الراي جريدة الاقتصادية

http://www.aleqt.com/2013/02/12/article_731146.html

تعليقات 0 | إهداء 0 | زيارات 348


خدمات المحتوى


د. عبدالله الحريري
د. عبدالله الحريري

تقييم
1.00/10 (18 صوت)

Powered by Dimofinf cms Version 3.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Inc.