«دمقرطة» السلوك .. هل تراعي المشاعر القيمية؟!
02-26-2013 11:02
في كل مجتمع تظهر على السطح ممارسات وسلوكيات غير سوية من البعض، فيخرجون عن سياق المجتمع العام، وتظهر ممارساتهم الشاذة مفاجئة للمجموع العام في هذا المجتمع أو ذاك. ولكن الحقيقة أن هذه السلوكيات المنحرفة إذا صحت التسمية أو تلك الممارسات الخاطئة، هي نتاج كانت له بداية وكان فرديا في تلك البداية، وفي غفلة من المؤسسات الأولية في هذا المجتمع كالأسرة أولا ثم المدرسة، نمت هذه الظواهر وكسبت مؤيدين من مختلف الأعمار، إلا أن سن المراهقة تعتبر واحدة من أهم المراحل العمرية التي ينمو وينتشر، بل يبدأ فيها مثل هذا الخلل. هذه هي القراءة لكل من يريد أن يقيم حدثا يشارك فيه فرد أو مجموعة من الأفراد، يقدمون خلاله على تصرفات مؤذية، وفيها مخالفة للنظام والذوق العام في المجتمع.
كان لا بد أن أسوق هذه المقدمة للدخول إلى موضوع يتعلق بالحرية عند تعارضها مع السلوك والذوق العام في أي مجتمع، فاليوم هناك مسافة تأخذ في الاتساع ما بين الحرية ودمقرطة السلوك وبين قيم الحياء، من مبدأ إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت، وأقصد هنا السلوكيات التي لا تراعي مشاعر الآخرين ولا مقاماتهم العلمية والعملية وكبر سنهم وبر الوالدين واحترام المعلم والصغير والكبير بوجه عام.
المعلمون اليوم يستنجدون برجال الأمن من كثرة الاعتداءات عليهم وعلى ممتلكاتهم، وهي بداية للانفلات الأخلاقي والقيمي والتربوي، فالمعلم بعد الأب والأم في المكانة التربوية والسلوكية، ومن غير المنطقي أن تنقلب المعادلة الأخلاقية إلى ما انقلبت إليه، وإذا بدأت بالمعلم فلن تنتهي وستطول كيان الأسرة واحترام الآخرين في الشارع، فاليوم نشاهد مراهقا يشتم شيخا مثل أبيه ولا يحترمه، ومنهم من يتجرأ على شتم ونقل الشائعات عن العلماء ورجالات الدولة، ويعدونه نوعا من أنواع حرية الرأي حسب مفهومهم.
هناك خلط مستورد للمفاهيم ما بين الحرية ودمقرطة السلوك وبين القيم الاجتماعية المتمثلة في التقاليد والأعراف والثقافة، ومن غير العقلاني أن نستنسخ مفاهيم فكرية وسلوكية من مجتمعات ونحاول تطبيقها على مجتمعات أخرى، لأن تركيبة ومقومات وبنية كل مجتمع تختلف عن الآخر، وقد نظلم مجتمعا على حساب مجتمع آخر، وقد نخلق نوعا من الانفصام لدى أفراد المجتمع وعداوات ومقاومات لا تخدم أي طرف، ابتداء من الأسرة إلى مجتمع المدرسة والمجتمع بشكل واسع.
لا أحد ينكر على أي إنسان أن يكون حرا، فقد ولدتنا أمهاتنا أحرارا، لكن المطلوب حرية محترمة لا تخاف من الآخرين، ولكن تقدرهم وتحترمهم وتعلي من شأنهم وقدرهم وتثمن دورهم وجهودهم في المجتمع.
هناك في كل مجتمع ما يسمى بالبناء الفكري والمعرفي والسلوكي، الذي يتكون منه الإنسان منذ ولادته، ويوجد جانب يرثه الإنسان من أسرته، وهو ما يكون الثقافة النفسية لكل فرد ويحدد دوره في المجتمع، وإذا حدث أي خلل في هذه المكونات أصبح الفرد مرفوضا من مجتمعه، وبالتالي سيعاني كثيرا من عدم التوافق مع ذلك المجتمع ابتداء من الأسرة، ما يضطره إلى التكيف، وهو أدنى مستوى من التوافق، وليعيش حياته يعاني من ضعف تحقيق الذات ومن اعتلال صحته النفسية، لذا نجد أفرادا في حالة أزمة وإحباط واكتئاب من حياتهم في مجتمعنا، ويرغبون في العيش في مجتمعات أخرى، بحثا عن مستوى مناسب من التوافق.
في مجتمعنا ومن باب علم اللغة النفسية، تعودنا في مجتمعنا عبارة "يا فلان استحي" لردعه عن أي عمل غير محبب أو يتجاوز الأخلاقيات والأعراف والقيم، ولكن من الصعب أن تقال هذه في مجتمعات أخرى، وقد تعتبر اعتداء على خصوصياتهم، هذه الاختلافات في لغة التخاطب من مجتمع إلى آخر تحددها الثقافة العامة لكل مجتمع، وما هو مقبول وما هو مرفوض.
أتذكر في هذا السياق كلمة شهيرة للروائي العالمي فيكتور هوجو، عندما قال: "حرروا الحرية والحرية تقوم بالباقي". ولعل هذه الكلمة تنطبق في هذا السياق بطريقة أو بأخرى، فعلينا أن نكف عن تحميل التصرفات النابية والمنحرفة، أو أن نبرر السلوكيات الشاذة التي لا تنم عن احترام وتقدير للآخرين، ووصفها بأنها ممارسات فردية، ولكل فرد الحرية، ذلك أن هذا خطأ فادح لمفهوم الحرية، وفعلا قد نحتاج لأن نحرر الحرية من نظرتنا، بل من فهم البعض الخاطئ لها.
----------------------------------------------
تم نشر المادة في صفحة الراي جريدة الاقتصادية
http://www.aleqt.com/2013/02/26/article_734685.html
|
خدمات المحتوى
|
د. عبدالله الحريري
تقييم
|