مَن وفّر البيئة لنمو حالة التأزيم؟!
03-27-2013 11:02
كما يبدو، من خلال متابعة الأحداث محلياً، أننا نعاني أزمة وجود للشخصية القيادية في مؤسساتنا الحكومية، ما أدّى إلى وجود أزمات كان من الأفضل ألا تكون.
اليوم هناك إلى حد ما حالة من التأزُّم عند بعض المؤسسات الحكومية في التعاطي مع الشأن العام، وبالأخص ما يمس حياة المواطن بشكل مباشر، المتمثلة في الخدمات التي تمس حياته اليومية، كالماء والكهرباء والنقل، أو التي يحتاج إليها في أي وقت، كالصحة والتعاملات الحياتية الأخرى، فالمواطن لا ينتظر أن يعيش في أزمة حتى تتحقق له مثل تلك الأمور المهمة، خاصة أنه في بلد حجم الإنفاق الحكومي فيه كبير ومدعوم من قيادة تحب الخير للمواطنين والوطن.
إذا كما يبدو المشكلة تكمن في إدارة هذه المؤسسات وليس في حجم الإنفاق عليها، فالشخصية القيادية الإدارية تستطيع أن تقدم الكثير حتى في ظل الإمكانات المحدودة، وإذا كانت الشخصية سلبية أو غير قيادية وغير مبادرة ومتابعة ومتميزة فلن يكون هناك استثمارٌ للموارد ولا خدمة متوافرة في الوقت الذي يريده المواطن.
الكثير من المسؤولين أعاقتهم كراسي المناصب عن الحركة والتفاعل والمبادرة، فتجده منغمساً في الإجراءات الإدارية البيروقراطية اليومية والاستقبالات وتلقي الشكاوي واستقبال الاتصال، كل هذا على حساب الجولات الميدانية والانتقال إلى مواقع المشكلة والحدث، حتى إن بعض الأحداث تقع ولا تجد التفاعل الذي يتناسب وحجم الحدث، وإذا حدث طارئ ما لا تجد هناك إدارة للأزمة، بل تأزيم للأزمة، بل تجد أغلب قنوات الاتصال كأرقام الطوارئ والعملية غير مجدية أو منزوعة الصلاحيات، وكأنهم موظفو سنترال لا أقل ولا أكثر، وكثيرا ما أشفق عليهم لأنهم في وجه المدفع والحدث، ويتلقون العبارات غير اللائقة والمتوترة، وصاحبنا "حاط رجل على رجل" يديرها من خلف الكواليس، لأنه هو مَن احتكر الصلاحيات التنفيذية وسلب من فريق العمل الذي يعمل معه جميع الصلاحيات من باب المركزية والخوف من اللوم والمساءلة والنقد، وأنه الشخص الأمثل والأكمل والمسؤول في تلك المؤسسة، وهذا بدوره يؤدي إلى إضعاف تلك المؤسسة وترهلها وغياب المسؤولية الجماعية وتدهور مخرجاتها التي في آخر المطاف تصب في مصلحة المواطن.
أعتقد أن الأزمات والأحداث والمواقف المختلفة علمتنا أننا بحاجة ملحة إلى الشخصية القيادية الإدارية التي لديها المهارات والتجارب والخبرات الإنجازية والابتكارية والمبادرة والمتميزة التي تحقق الفعالية والحركة والحياة لمؤسساتنا الحكومية، نحن فعلا بحاجة إلى مَن يتمتع بالصفات الإدراكية والمعرفية الثاقبة والضرورية والمتفقه مع المواقف التي يكون فيها لممارسي القيادة الدور البارز، وأن يتميز بالذكاء الاجتماعي والانفعالي والعاطفي بحيث يستطيع أن يعرف نفسه ونفسيات الآخرين، إلى جانب القدرة الفائقة على الإقناع والثقة بالنفس، وأن يتحلى بالشجاعة والصدق واللياقة وحسن التعبير والثقافة العامة.
الشخصية القيادية الإدارية التي تحتاج إليها مؤسسات الوطن لا تؤمن بالركون خلف الكرسي والمكتب والسباحة في محيط الأوراق والمعاملات، بل الذي يخصّص من وقت عمله الجزء الأكبر للتجول في الشوارع ورؤية الحفر والأرصفة المتكسرة وسوء الصيانة ويلاقي الناس والمراجعين ويسمع ملاحظاتهم ويستمع إلى همومهم ويلمس بنفسه ماذا يعمل موظفوه، وكيف يعاملون الناس، وكيف يقدّمون الخدمة للناس، وهل شركات الصيانة المبرم معها العقود تقوم بالصيانة والصيانة الوقائية، أم جالسة تنتظر من يقدم لها الدعوة لممارسة واجبها؟ وهل القرارات والتنظيمات التي تصدر من المؤسسة التي يترأسها تطبق على أرض الواقع أم حبر على ورق.
وهل حاول مدير البلدية أو الأمانة أو الشرطة أو المرور أو المركز الصحي أو مدير المدرسة ومركز الدفاع المدني زيارة مدرسة الحي والتقى المدرسين والطلاب أو المؤسسة الحكومية الأخرى في الحي وقابل الناس في المسجد أو في الحي، هل قابل كبار الحي وأصحاب الخبرات والمتقاعدين وطلب منهم المشورة والمساعدة؟ هل انتقل وقت الحدث واجتمع بالناس وسمع منهم وطلب منهم المشاركة في حل الأزمة؟ هل فعلوا ذلك أو ماذا يفعلون؟! أعتقد أن أولئك لم يواكبوا تطلعات الحكومة ودعمها، وبالتالي أصبحوا جزءاً من التأزيم.
----------------------------------------------
تم نشر المادة في صفحة الراي جريدة الاقتصادية
http://www.aleqt.com/2013/03/12/article_738548.html
|
خدمات المحتوى
|
د. عبدالله الحريري
تقييم
|