تهميش البيت والمدرسة يقود للفوضى السلوكية
05-08-2013 08:18
لكل إنسان حاجاته ومتطلباته في الحياة، وإن كانت هذه الاحتياجات تختلف من إنسان لآخر، وبالتالي فإن الأولويات تختلف، فإن الطرق والوسائل لتحقيق هذه الاحتياجات أيضا تختلف، بل متطلبات كل حاجة تختلف من واحدة لأخرى، وبالتالي فإن وسائل تحقيقها أيضا تختلف، فهناك بعض الحاجات لا يمكن تحقيقها إلا بالتعلم والدراسة والحصول على شهادة علمية، وبعض الحاجات تتطلب قوة بدنية وبالتالي تدريبات رياضية، وغيرها من الأمثلة. في هذا السياق أتذكر ما عرف بهرم ماسلو للاحتياجات، الذي صمم نظريته الدكتور إبرهام ماسلو، ونسب إليه، وهي نظرية الاحتياجات، ورغم ما لاقته من نقد واعتراض من البعض إلا أنها مناسبة أن يتم إيرادها في هذا السياق؛ لأنها توضح الجانب الإنساني ـــ الفرد ـــ واحتياجاته واهتماماته وفق تسلسل طبيعي، في هذا الهرم ـــ هرم ماسلو ـــ حدد خمسة احتياجات، بدأها بما يسمى الحاجات الفسيولوجية التي تعني الطعام والتنفس والماء والنوم وغيرها. وعلى سبيل المثال، فإن الإنسان الذي عانى لوقت طويل الفقر والجوع تجده يفرّط في تناول الطعام والبذخ لو قدر واغتنى، وقد تظل ترافقه ذكريات قوية حول حاجته الماضية إلى الطعام، فتجده يعوضها بالحاضر ـــ دون تعميم ـــ بل يعوض كل ما كان يفتقر إليه، سواء في الملبس أو الراحة والنوم، ونحوها من الاحتياجات التي كان يطلبها ولا يحصل عليها. بعد اكتمال حاجات الطعام والمأوى والتنفس، التي سميت بالحاجات الفسيولوجية يرتفع مطلب الإنسان وحاجته إلى الأمن، فينشد السلامة الجسدية حتى الأمن الوظيفي يصبح مطلبا ملحا، وغني عن القول أن الأمن الأسري والصحي والممتلكات جميعها تصبح حاجة ملحة ولا تقبل النقاش، وعندما يحققها الإنسان فإنه يرتفع إلى درجة أعلى من الحاجات، وهي الحاجات الاجتماعية، حيث يقوم بتقوية العلاقات الأسرية والصداقة وغيرها، وبعد أن ينتهي من هذا الجانب يرتفع إلى الحاجة للتقدير، حيث يبدأ البحث عن تقدير الذات والثقة والإنجازات واحترام الآخرين والشعور بالإنجاز والفاعلية في المجتمع، ثم يتطلع إلى أعلى الهرم، فيبدأ في حاجة تحقيق الذات وهي التي خلالها يقوم الإنسان بالابتكار وحل المشاكل وتذليل الصعوبات، بل فيها يتقبل الحقائق ويتعاطى معها بإيجابية.
وحتى يصل الإنسان إلى مرحلة تحقيق الذات، وهو مطلب رئيس للصحة النفسية، فإن ذلك يتطلب تحقيق كثير من الحاجات ابتداء من الحاجات الفسيولوجية أو الأساسية إلى الحاجات العاطفية والاجتماعية والقيمية، وعندما يواجه الإنسان بعض العوائق التي تحول دون تحقيق حاجاته، فإنه سيدخل في صراع مع ذاته ومع المجتمع المحيط به لأن الصراع هنا صراع تحقيق حاجات وليس صراع مطالب ورغبات غير أساسية؛ ما يتطلب أن يكون هناك توافق ما بين الحاجات الشخصية أو الذاتية وبين المطالب الاجتماعية.
اليوم، البيت والمدرسة هما الميزان الحقيقي للاتزان الشخصي؛ كون البيت وأقصد الأسرة تقوم بتحقيق الحاجات الشخصية والانفعالية، بينما المدرسة تمثل الامتداد للحاجات الاجتماعية والتفاعلية والتوافق مع الآخرين وتعلم الفرد المهارات لأن يكون مواطنا صالحا وتربيه على القيم الحميدة، وفي ضوء ذلك فإن إصلاح أي خلل سلوكي أو فكري لدى الفرد لا بد أن يكون نتيجة تفاعلية وتأثرا وتأثيرا من الفرد على تلك المؤسستين وتأثيرهما عليهم، وكثير ما نشتت أنفسنا في علاج كثير من السلبيات والمظاهر السلوكية والفكرية بتعميق التأثير في جهات أو مؤسسات أو على الأشخاص أنفسهم دون التركيز على المؤثر الحقيقي، وهما البيت والمدرسة، ومن ثم فإن وسائل الوقاية والعلاج لا بد أن تركز على هاتين المؤسستين المهمتين في تكون الصحة النفسية لدى الأشخاص، وأن تكون البرامج معدة ومقننة لأن نجد آذانا صاغية عند هاتين المؤسستين، ومن غير المجدي استهلاك طاقاتنا في أمور ثانوية على حساب التركيز على دور البيت والمدرسة في النشأة السلوكية والفكرية للأفراد، وعندما نركز على دور الشراكة فإننا أيضا يجب أن نحملهما المسؤولية الاجتماعية ومسؤولية الضبط الاجتماعي؛ حتى لا تتركز المسؤولية على أجهزة الدولة الأمنية والإصلاحية والاجتماعية.
----------------------------------------------
تم نشر المادة في صفحة الراي جريدة الاقتصادية
http://www.aleqt.com/2013/04/30/article_751894.html
|
خدمات المحتوى
|
د. عبدالله الحريري
تقييم
|