المقالات
مقالات د. عبدالله الحريري
المسؤولية الشخصية والاجتماعية في حادثة السيول
المسؤولية الشخصية والاجتماعية في حادثة السيول
05-08-2013 08:21

الأمطار التي هطلت على معظم أرجاء بلادنا الحبيبة، خلال الأيام العشرة الأخيرة، أفرزت عدة تساؤلات في مواضيع شتى، وأثارت قضايا مختلفة، فالمشهد العام كان جهودا حثيثة لرجال الدفاع المدني في مساعدة الأسر المنكوبة والمتضررة، فضلا عن الإنقاذ والإخلاء بكل الوسائل المتاحة من الطائرات العمودية وصولا للقوارب المطاطية حتى التوجيه والإعلان والإرشاد للناس، وفي لحظة من الزمن خيل لك أن رجال الدفاع المدني يقومون بكل شيء، وكأنه يقع على كاهلهم تحمل أخطاء هيئات ووزارات ومؤسسات ومجتمع وأفراد في كثير من السلوكيات، سواء فساد أو تهور أو تجمهر. جميعنا شاهدنا أمير منطقة عسير وهو في بيشة يوجه نقدا مباشرا وواضحا وصريحا للمقاول الذي قام ببناء أحد السدود ولم ينته وانهارت أجزاء الحاجز الترابي أمام قوة مياه السيول، وغني عن القول أن هناك لجنة للتحقيق بدأت، لكن ما ترتب على مثل هذه الأخطاء وقع حملها وعبئها على كاهل رجال الدفاع المدني، الذين أثبتوا خلال تلك الأيام كفاءة وتدريبا بالغ الكفاءة، فكان لجهودهم أثر واضح وكبير في إنقاذ أرواح المئات من الناس.

هناك جانب آخر من هذا المشهد يجب أن نتوقف أمامه في محاولة لفهمه ومعرفة أثره وأسبابه، ومنها ما شاهدته على موقع اليوتيوب من مقاطع لأفلام صورت لشباب وهم يلقون بأنفسهم في التهلكة، بمعنى أنهم يتعمدون إظهار بطولة ليس وقتها أو محلها، في مشهد لا ينم عن أي مسؤولية أو اتزان، على سبيل المثال سيارة ذات دفع رباعي تقف أمام مجرى للمياه، وتسمع من خلال الفيديو صرخات التشجيع للشباب بأن يقوم قائدها بعبور هذا المجرى المائي السريع، وبالفعل يزداد معدل الأدرينالين لديه فيقذف بنفسه وسيارته في مجرى المياه، وسرعان ما تغمرهما المياه وتجرف المركبة بمن فيها، ومشهد فيديو آخر لشاب يقف أمام مياه السيول في تحد لقوة اندفاع المياه، التي سرعان ما تغمره وتجرفه من مكانه، ثم تبدأ الصرخات والنداءات لرجال الدفاع المدني، الذين هم مشغولون عن هذا العبث في إنقاذ النساء والأطفال والعجزة، وعند التأخر تبدأ في سماع التوبيخ والنقد اللاذع وغيرها من الألفاظ الجارحة. في كثير من دول العالم يتم تجريم مثل هذه الحوادث، وتعتبر جريمة يعاقب عليها القانون، الحال لدينا مختلف تماما، حيث تشاهد مثل هؤلاء الشباب بعد إنقاذهم بإرسال طائرة هيلوكبتر لهم، يخرجون وسط تصفيق وتصفير وتشجيع ليس لرجال الدفاع المدني، إنما لهؤلاء الشباب المتهورين. ويفترض أن يكون المشهد مختلفا، حيث يتم اعتقالهم تمهيدا لإرسالهم للمحاكمة. هناك صور مؤلمة أخرى لعل من أوضحها غياب الأعمال التطوعية، ومرة أخرى ظهر أن العمل التطوعي لدينا عبارة عن مزاج، فهو غير مؤسساتي وغير منظم، فلم نشاهد جمعية لأصدقاء الدفاع المدني تهب لمساندة ومساعدة رجال الأمن بصفة عامة ورجال الدفاع المدني بصفة خاصة، وعندما أقول جمعية فهذا لا يعني أنها موجودة، وأنها كيان تم تأسيسه إنما أسأل عن عدم وجود مثل هذه الجمعيات المؤسساتية التطوعية، وغيابها في مثل هذه المحن والمواقف التي نحتاج فيها أن نكون في تضامن وتعاون. ومن هذه الجزئية أعتقد أننا بتنا اليوم أكثر حاجة لقانون واضح وصريح ينظم مجال العمل التطوعي ومساندة الجهات الحكومية. أيضا من الصور التي شاهدناها خلال هطول هذه الأمطار وما سببته من سيول وجريان لأودية البعض منها لم تجر فيها المياه منذ أكثر من 25 عاما. أقول إن من هذه الصور صورة التجمهر للشباب حول أي حادثة تقع، كسيارة وقعت في مجرى لتصريف المياه أو انهيار جزء من مبنى، فتسمع صفارات الإنذار وصفارات سيارات الإسعاف والشرطة، لكنها لا تستطيع الوصول للموقع بسبب من أوقف سياراته وسط الطريق وذهب للمشاهدة. فعلا نحن بحاجة ماسة لمراجعة شاملة لملف سيول الأمطار من تحمل للمسؤولية الاجتماعية والشخصية والمشاركة التطوعية والخيرية المنظمة، كونها عماد أي مجتمعات متقدمة ومتحضرة. وحتى يحقق الإنسان ذاته لا بد أن يتحول من السلبية والركون وتوقع الأخطار والاستسلام لها، إلى المبادرة والإيجابية في التعامل معها ومواجهتها والمشاركة في التقليل من آثارها، فالأزمات والكوارث والأخطار تعكس معادن الناس والمجتمعات وتنظيمها ومدى تكاتفها وتكاملها، وليس هناك أحد بعينه يتحمل المسؤولية، فالجميع مسؤولون كل حسب الدور الذي يقوم به، وفي هذه المواقف ليس هناك عاملون وآخرون جالسون ويتفرجون أو يتمتعون بالمناظر الجميلة للسيول ويقتربون من مواقع الأخطار، فبدلا من أن يشاركوا ويقومون بأعمال الإغاثة على الأقل كان من الأفضل أن يتحملوا مسؤولية أنفسهم وذويهم ولا يشغلوا الآخرين بأمور إضافية.

----------------------------------------------
تم نشر المادة في صفحة الراي جريدة الاقتصادية
http://www.aleqt.com/2013/05/07/article_753833.html

تعليقات 0 | إهداء 0 | زيارات 396


خدمات المحتوى


د. عبدالله الحريري
د. عبدالله الحريري

تقييم
4.32/10 (24 صوت)

Powered by Dimofinf cms Version 3.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Inc.