يتلقى المواطن خدمات الرعاية الصحية من القطاع الحكومي والقطاع الخاص، ورغم التوسع في افتتاح المشاريع الصحية من مراكز الرعاية إلى المستوصفات وصولا للمستشفيات ذات السعة السريرة الكبيرة إلى المدن الطبية المتكاملة، فضلا عن المرونة ودعم القطاع الخاص للاستثمار في القطاع الصحي، وتوجد اليوم صروح طبية يديرها القطاع الخاص. إلا أن هناك جانبا ثالثا لا يقل أهمية عن القطاعين الحكومي والخاص في تقديم الرعاية الصحية، وهو القطاع الخيري. وهو توجه ليس فريدا أو مبتكرا أو جديدا، بل هو موجود ومعمول به على مستوى العالم بأسره، وفي كبرى الدول مثل الولايات المتحدة وغيرها كثير من دول العالم.
أهمية تقديم خدمات الرعاية الصحية وفق العمل التطوعي، أو بمعنى أشمل الخيري، بالغة وقد تكون ناجحة ولها أثر كبير في مساعدة طالبي العلاج من المعسرين وأصحاب الحاجة، الذين تتقطع بهم السبل دون وجود العلاج المناسب والناجح في الوقت المناسب. البعض لا يفهم كيفية وآلية عمل المستشفيات الخيرية، بل البعض يقول إنها قد تتوقف في أي لحظة بسبب توقف التبرعات أو شحها، وإن العاملين في القطاع الصحي التطوعي الخيري قد يتركون موقع عملهم في أي لحظة دون اهتمام لأنهم لا يتقاضون رواتب، وغني عن القول أن مثل هذا الكلام غير دقيق، بل غير صحيح، ويحمل معلومات خاطئة تماما عن طريقة عمل هذا القطاع المهم، فأولا لا تدار المستشفيات الخيرية بالتطوع، بمعنى أن يقوم الطبيب بالتفضل بالعمل وفق إرادته ومتى ما سمح به وقته وكذلك بقية العاملين من الموارد البشرية الصحية، فالمستشفيات ومراكز تقديم الرعاية الصحية الخيرية، تعمل وفق عقود مع موظفيها ووفق رواتب شهرية، وتوفر الأجهزة والمعدات وتجهز المركز أو المستشفيات وكأنها عمل في القطاع الخاص، لكن الفرق أنها منشآت لا تسعى للربحية والكسب المادي، وهذا فرق جوهري، فعندما تتلقى العلاج في مستشفى خاص ويكلفك نحو ألف ريال، فهذا لأن هناك هامش ربح يريد تحقيقه من أجل الكسب والربحية وأيضا رسوم التشغيل لأنه في الأخير مشروع ربحي، وليس خيريا، وإذا خصمنا النظرة الربحية فإن المبلغ سينخفض بدرجة كبيرة جدا، وقد يكون السعر رمزيا بكل ما تعني الكلمة. هذا جانب مهم من الموضوع، لكنّ هناك جانبا لا يقل أهمية في عمل المستشفيات الخيرية وهو أنها حقل للعمل الإنساني والتطوعي بكل ما تعني الكلمة، وأجزم أن كثيرا من الجراحين السعوديين سيخصصون يوما من الأسبوع لزيارة هذه المستشفيات وإجراء عمليات جراحية كتبرع للمحتاجين، وأطباؤنا وطبيباتنا يقومون بأعمال تطوعية كثيرة، ولله الحمد، في مختلف دول العالم، وإذا أتيحت لهم الفرصة فإنهم لن يترددوا في منح الفقراء والمحتاجين ساعات قليلة من وقتهم في كل أسبوع. هذا الجانب مهم جدا ويساعد على نجاح المشاريع الخيرية ذات التوجه الصحي.
هناك فائدة أخرى ومهمة أيضا لعلها تتلخص في تنويع العمل الخيري وعدم حصره في جانب محدد، فيوجد أناس لديهم هم ورغبة في التبرع لإنشاء مستشفى كامل، أو تأثيث قسم أو دور بأكمله، ولديهم الرغبة في التبرع، فبعض رجال الأعمال أو الميسورين يريد أن تذهب تبرعاته لمساعدة المرضى، لأنه شفي من مرض، أو آخرون تسبب مرض كورم أو نحوه في وفاة أحبة لهم في فيقرر التبرع لعلاج كل من يعاني مثل هذه الأمراض. فعندما ننشئ مستشفيات ذات توجه خيري ستكون مكانا مناسبا لإدارة مثل هذه التبرعات. المملكة مساحتها الجغرافية كبيرة وقلوب ناسها أيضا مساحتها كبيرة، وهناك مصادر أخرى يمكن استثمارها والاستفادة من ريعها لتشغيل تلك المؤسسات الصحية، كالأوقاف وما يخصص لغرض الأوقاف الصحية، فلنستثمر في هذا القطاع المهم، ولننوع مشاريع العمل الخيري، لأن الفائدة أولا وأخيرا هي لابن الوطن.
رابط المقال من موقع جريدة الاقتصادية:
http://www.aleqt.com/2013/07/23/article_772496.html