الكذابون أشخاص يعانون تدهور الشخصية
09-10-2013 12:55
من الروائع الشخصية لدينا التفنن في قائمة الأعذار حتى أصبحت مضربا للمثل في الهروب من المسؤولية الفردية والاجتماعية والهروب من العقاب ولوم الآخرين.
اليوم أصبحت العملية عادة سلوكية يمتهنها الكبير قبل الصغير وتأتي عبارات أنا مشغول أو عندي شغل أو مفلوز.. إلخ من العبارات التي تنم عن الخوف من قول الحقيقة، وفي آخر المطاف فإن مصطلح الكذب في اللغة هو كذب يكذب كذبا وكذوبا، واصطلاحا الإنسان يخبر عن الشيء على خلاف ما هو عليه سواء كان ذلك عمدا أو سهوا أو كان عن الماضي أو الحاضر أو المستقبل.
ومن الطريف أن أحدهم إذا اتصلت به بين وقت وآخر ولمته على تقصيره في التواصل يقدم قائمة من الأعذار، وإذا تورط في الموعد قال ''رايح أودي أمي المطار'' وينسى أنه يكرر هذا العذر كل مرة بدون أن يدري، فأصبحت أقول له مبادرا ''متى تودي أمك المطار عشان أشوفك''.
الكذب والعدوان ارتبطا لدينا بثقافة العقاب منذ الصغر لأن الطفل الإنسان الأضعف الذي لا يملك القرار والقوة والاستقلالية يلجأ إلى الكذب تهربا من الضرب والعقاب، ولأن تربيتنا تقوم على أنه يجب ألا تكون توكيدا تعبر عن نفسك بصراحة وصدق وبدون لف ودوران وبشكل مباشر حتى تكون ولدا مطيعا ''وما أنت قليل أدب وتسمع الكلام'' وتتلقى الأوامر بسمع وطاعة وخضوع دون أن تبدي رأيك أو رفضك أو عدم قناعتك، أصبحنا مع الوقت ننمو على هذه الألوان من التربية والتعليم، فما نلبث حين نصبح كبارا أن نكون أشخاصا غير توكيديين أي شخصيات سلبية لا تستطيع أن تعبر عن نفسها بصراحة وصدق، وبالتالي فإن الوسيلة للهروب والتهرب من أي مسؤولية هي الكذب وما يتبعها من أعذار، حتى أننا استسهلنا عملية الكذب فيما بيننا وأصبحنا نكذب على الله ورسوله وأحاديث غير صحيحة وأقوال غير دقيقة وضعيفة، لغرض إجبار الناس على طاعة أمر ما في مقابل آراء فقهية متعددة في كل المذاهب الأربعة صحيحة توجد نوعا من القناعة ثم الطاعة، وفي نفس الوقت نجد أنفسنا نخالف قضية الإحسان في أن تعبد الله كأنك تراه وإن لم تكن تراه فإنه يراك، في أغلب الممارسات والسلوكيات اليومية، فنصلي ونصوم وفي نفس الوقت نقطع الإشارة المرورية ونرمي النفايات ونؤذي الآخرين ونعامل الناس معاملة سيئة ونسب ونشتم فعلى من نكذب هنا؟ ونحن نعلم أننا نكذب على أنفسنا ولكن في الوقت نفسه نكذب على الله.
اليوم هناك سوء استعمال واستخدام للكثير من الفسح النظامية كالإجازات المرضية التي أصبحت من كثرة سوء استخدامها تدفع عليها الفلوس، فهناك إجازة مرضية بـ50 ريالا وهناك بـ15 ألف ريال وهكذا. وهذه كذبة كبرى يقوم بها البعض لأنه لا يريد أن يعمل ويريد أن يلهو ويريد أن يسافر ''على كيفه'' وإذا أعجبه الجو أكمل بقية اليوم الذي يلي الإجازة، وهو أصلا مجبر على العمل ولا يمثل العمل لديه أي شيء، بل يريد أن يسهر حتى الصباح وينام إلى الظهر، وحتى يكمل كذبته ولا يخصم عليه ويعاقب فإنه يكذب كذبة المرض ويحضر الإجازة المرضية، وهو لا يستطيع ولا يصبر ليكون صادقا مع نفسه ومع الآخرين ومع الله لذلك فإن أقرب وأسهل وسيلة هي الكذب مقابل الصراحة والشفافية.
ليس هناك ما يمنع أي إنسان من أن يكون صريحا وصادقا ويعبر من نفسه بشكل تلقائي ومنطقي، فالكذب حبله قصير ولا يتوقع من يكذب أن الآخرين يصدقونه فسلوكياته غير الطبيعية وأفكاره غير العقلانية وغير المنطقية ستكشف شخصيته وستقلل من مكانته ودوره الاجتماعي وعلاقاته وحجم اعتقاده بالمسؤولية وبالشراكة وبإيمانه، فليس من مسؤوليات المسؤول أن يخرج للناس ويقول أشياء غير حقيقية وكاذبة وليس مفهوم السبق الإعلامي وأخلاقياته أن أخرج بأخبار مكذوبة ليكذبها الآخرون رسميا أو اجتماعيا، ومن يتخفى في مواقع التواصل فهو يعيش الكذبة الكبرى على نفسه لأنه يعاني ومن في حكمه من الكذابين ضعفا شديدا في الثقة بالنفس وتقدير الذات فإذا كان كذلك فليسأل نفسه ما قيمته في هذه الحياة؟
تم نشره هذه المقاله في جريدة الأقتصاديه صفحة الرأي عبر هذا الرابط
------------------------------------------------------------------
http://www.aleqt.com/2013/09/10/article_784659.html
|
خدمات المحتوى
|
د. عبدالله الحريري
تقييم
|