المقالات
مقالات د. عبدالله الحريري
«تشيزوفرينيا» النزاهة مفهوم مختلف للفساد
«تشيزوفرينيا» النزاهة مفهوم مختلف للفساد
02-04-2014 09:02

دار حديث بيني وبين أحد الأصدقاء عن: إلى أي مدى سنصل إليه في مقاومة النزاهة؟، ولماذا يزداد المقاومون يوماً بعد يوم بالرغم من توجه الدول لمحاربة الفساد وتعزيز النزاهة؟, وتوصلنا إلى أن الفساد ومقاومة النزاهة لهما ألوان طبيعية وخصوصية في المملكة، وأن هناك من منسوبي الدولة من يمارس الفساد، ويعتقد أنه يمارس النزاهة، بل ويرى أن مصلحة البلد يجب أن تسير حسب ما يعتقده هو ومن حوله، لدرجة أن بعض أولئك المسئولين عن خدمة المواطن استأسدوا بما منح لهم من صلاحيات، وأصبحوا يعتقدون أنهم هم القانون والحاكمون بأمره.
كما يبدو أن هذه حالة جديدة من حالات الفساد والتي لم نولها الاهتمام والدراسة. فعندما يصل المسئول سواءً وزير أو من هم تحته إلى هذه الحالة الإدراكية والسلوكية يبدو أننا أمام مصطلح جديد للسلوك الفاسد وهو "تشيزوفرينيا النزاهة", وهي ببساطة حالة من الاعتقاد بأن الشخص هو كل النزاهة أو فوق النزاهة، ويمارس في نفس الوقت عكس ذلك، بل يستأسد في الدفاع عن معتقده وسلوكه، ولا يقبل من أحد أن يساعده في التخلص منه أو قبول النصح، ويصاب بداء العظمة والشعور بالاضطهاد إلى درجة أنه يضعف لديه الاستبصار بالحقيقة والواقع الذي حوله، ويخلق لنفسه حقيقة وواقعا من الأوهام غير القابلة للتنفيذ أو التي يجب أن ننفذها بالطريقة التي يراها.
هذا السلوك الفصامي قدمه التاريخ لنا عبر الكثير من الأنظمة السياسية التي سقطت، والتي كانت تعتقد أنها هي الحاكم بأمره، وأنها الأدرى والأعلم بمصلحة شعوبها، وكانت آخرتها الدمار الشامل للشعوب والفوضى لتلك البلدان، وأيضاً القضاء على الشخصيات ورميها في مزبلة التاريخ. وهذه الحالة الفريدة من الفساد تحتاج إلى المزيد من التأمل والدراسة، فعندما تكون شخصية وأفكار وسلوك المسئول سواءً وزير أو من في حكمه قبل تسلمه المنصب سوية إداريا ثم يبدأ في التحول بعد المنصب إلى أن يصبح شخصا مستأسداً في القرارت غير الحكيمة ويرمي بعرض الحائط تاريخ المؤسسة الوطنية التي يديرها ثم يبدأ بانتقاء ما يريده من خطط دون منطق أو حوار و "يحوس الدنيا" بجسارة واندفاعية، عندما يكون ذلك المسئول بهذه الصفات والأعراض ألا تعتقدون أنها حالة فريدة واضافة إلى لستة متلازمة مناهضة النزاهة؟.
ربما للوهلة الأولى انخدعنا وننخدع بمثل هذه الشخصيات، ونندفع في الإفراط في منحهم المزيد من الثقة، ونتوقع منهم أن يكون هو الشخص المخلص ثم ننصدم، ومن كثرة الصدمات نحبط ونكتئب على الوضع الذي وصلنا إليه وأوصلنا إليه طبعا، بغض النظر عن الهدر المعنوي والمادي وتأثير ذلك لفترات قادمة, ومهما قدمنا لمثل هذه الحالة من مبررات وأعذار تدور حول تأثير البطانة على قراراته لكن في آخر المطاف هو من دعم واستقطب "شلة حسب الله". ومهما اعتقد بعضهم أنه "أبو العريف" وهو مصطلح حجازي فالناس اليوم أكثر وعيا "وما عاد تمشي عليهم" مثل هذه الأمور، وإذا كان ليس بيدهم حيلة للردع فالتاريخ اليوم لن يرحم وسيحاسب بشدة كونه أكثر توثيقاً ونشراً للجميع ولا يمكن إخفاءه. أعتقد فيما يتعلق بملف مكافحة الفساد وتعزيز النزاهة نحتاج إلى رؤية سلوكية ومعرفية لتقييم وفحص أداء هذه الشخصيات والمؤسسات التابعة لهم.


------------------------------------
تم نشر هذه المقاله في جريدة اليوم صفحة الرأي على هذا الرابط
http://www.alyaum.com/News/art/117883.html

تعليقات 0 | إهداء 0 | زيارات 309


خدمات المحتوى


د.عبد الله الحريري
د.عبد الله الحريري

تقييم
3.93/10 (27 صوت)

Powered by Dimofinf cms Version 3.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Inc.