د. عبد الله الحريري
دول الخليج كدول تتميز بثقل مالي وسيولة نقدية لدى الأكثرية من المواطنين سواء أصحاب الأعمال أو من هم أعلى من المتوسط في الدخل، يؤهلها أن تكون مركزاً عالمياً لاستقطاب الاستثمارات في مجال الصحة سواء على مستوى التأهيل أو العلاج ويساعد على ذلك ازدياد ملحوظ في النمو السكاني وللأسف ازدياد ملحوظ في الأمراض وبالذات المزمنة مع شبه غياب للوعي بتنظيم العادات الحياتية التي تعنى بصحة الإنسان مما زاد من الإصابات بأمراض الدورة الدموية وإصابات المخ والسرطانات وأمراض أخرى خطيرة ناهيك عن نسبة الإصابات والإعاقات الناتجة عن حوادث المرور.
من جراء ذلك أصبح الطلب يعود بشكل ملحوظ للعلاج في الخارج ليس لأن الخدمات الصحية متدهورة بل لأن هناك محدودية في الخبرات والتخصصات والمراكز الطبية المتخصصة وأيضا محدودية مراكز الأبحاث الصحية والإنفاق عليها لتطوير القدرات والإدارات وزيادة الخبرات، ولأن من المنطق أن تتفرغ الدول لتوفير الرعاية الصحية الأولية بالدرجة الأولى والذي يعني أن التركيز على برامج الرقابة وتحسين ثقافة وعادات المجتمع وتوفير الرعاية الأولية وإلا أصبحت الدول والناس في حالة من البؤس نتيجة عدم وجود أهداف يلتفون حولها.
وكثير من الناس وبالذات بعض المسؤولين يخلط بين ما هو استراتيجي بعيد المدى أو استراتيجي مرحلي أو أهداف حالية ، فافتتاح كليات الطب والعلوم الصحية خيار مهم استراتيجي ومخرجاتها من الأطباء والعاملين والممارسين الصحيين هو هدفها وإذا أضفنا إليها برامج التخصص سواء زمالات أو غيرها بالإضافة إلى جزء من الخبرة فسيحتاج ذلك إلى ما يزيد على عشر سنوات لكل دفعة تتخرج في سنة على الأقل، وهذا أمر طبيعي ولكن المطلوب هو استقطاب الاستثمارات المتخصصة والخبرات العالمية اللامعة والتقنيات الطبية المتقدمة وهذا ليس من المستحب أن تقوم به الدول بل تتيح وتسهل الضمان الصحي وستوفر للناس العلاج في بلادهم بل استقطاب من يريد العلاج من الدول المجاورة وبالقرب من أهلهم ومن يتكلمون لغتهم وما أخشاه في عدم توفر مثل تلك المراكز العالمية والخبرات والاحتكاك بها تسرب وإحباط وتبلد من دفعت عليهم الدولة الملايين للحصول على الزمالة الذين فضل بعضهم أن يفتح عيادة أو يتاجر في الأسهم أو يعمل عملاً إداريا .. وكلنا يعرف أن الاستثمار الصحي مكلف في بنيته التحتية والتشغيلية ولكنه خيار استراتيجي واستثماري يحتاج إلى احتضان وتسهيلات كبيرة.
|