الاستخبارات
12-28-2011 06:16




د. عبد الله الحريري

تعلمنا في مجتمعاتنا العربية خوفا معرفيا من كل شيء أمني، وبالذات عندما يكون مخفيا عن الأنظار كالاستخبارات والمباحث فطبيعة عملهم قد تتطلب السرية إلى حد ما، وفي المقابل فإن هناك ارتباطا شرطيا كما يقول علماء النفس قد حدث بين تلك الأجهزة وبين الممارسات السلوكية لعناصرها تجاه مصادرة الحريات والقمع وتصفية الحسابات الداخلية والسياسية، بما تملكه من إمكانات واهتمام من الحكومات، وتولد أيضا لدى الناس خوف من الاختلاط بمن يعمل في تلك الأجهزة، خاصة في السنوات الماضية لأنهم يعتقدون أن طبيعة عمل أولئك تمكنهم من اختراق الخصوصيات الشخصية واستغلالها للضغط عليهم كون الناس يدركون أنهم ليسوا ملائكة، وأن كل شخص له تجاوزاته السلوكية والفكرية، وبالتالي فهو في حالة توجس من أن ينكشف المستور ويروح في ستين داهية.
الإصلاحات الهيكلية وإعادة البنية المعرفية وإدارة الأمور بأسلوب حضاري واقتصادي بدأت تبدد تلك المخاوف لأن النتيجة تغير ملحوظ في سلوك تلك الأجهزة وتوجهها إلى أمور أكثر أهمية وملموسة للناس وبشكل علني، وأصبح المواطن والمقيم يدركان أهمية تلك الأجهزة في حمايتها وحماية أمنها الشامل، بل بدآ يشاهدان أن رجل المباحث أو الاستخبارات يقدم خدمات اجتماعية تمس حياة المواطن المعيشية وينقل لأصحاب القرار والجهات التنفيذية والتشريعية بشكل منفتح المعلومات التي تساعدهم على حل مشكلات الناس بشكل سريع وحاسم، وكما يبدو أن قيادات هذا البلد وقيادات تلك الأجهزة مرت بمراحل صعبة من تعديل سلوكيات ومفاهيم العاملين في تلك القطاعات المعلوماتية، وتم استقطاب خبرات وكوادر مؤهلة أكاديميا ومعرفيا لتغذية تلك المؤسسات حتى وصلت إلى ما وصلت إليه من سلوك محبوب للناس.
الاستخبارات الأمريكية كان لها السبق في تطور أعمالها وسلوكياتها، فهي الآن من أهم وأغنى المؤسسات العالمية في مجال المعلومات، ويستطيع كل باحث أو خبير أو أي شخص الاستفادة من المعلومات التي لديها وبأسهل الطرق عبر بوابتها الإلكترونية، وبذلك فهي تحقق الهدف من إنشائها كونها جهازا يملك المعلومات ولديه إمكانات بشرية متقدمة وتجهيزات وموارد مادية، وأصبحت تسهم بشكل فعال في صناعة القرار الأمريكي، سواء في مجال السياسات الخارجية أو الداخلية إلى جانب دعم الأبحاث في المجالات كافة سواء ما يتعلق بالأمور التي تخص المجتمع الأمريكي أو الشعوب الأخرى حيث لها امتداد معلوماتي في جميع أرجاء الكرة الأرضية.
السعودية عبر الاستخبارات تدير المحتوى المعلوماتي بشكل جميل وفعال وأصبح لها دور أكثر فعالية من خلال التوجهات الحالية في خلق نوع من التعاون مع الجامعات ومراكز الأبحاث، مما سيثري العملية البحثية، وسيحل الكثير من معاناتنا السابقة كباحثين ومتخذي قرار عندما كنا نعاني توافر المعلومات الدقيقة والشاملة إلى مرحلة أكثر ثراء في الجانب المعلوماتي بما تملكه من إمكانات، وفي الوقت نفسه ستشجع إعادة هيكلة جهاز الاستخبارات إلى امتثال أجهزة أخرى للإصلاح الهيكلي لخدمة الوطن وسد الفجوة بينها وبين المجتمع، واستثمار تلك الجهود والإمكانات لخدمة أدوار نوعية بعيدا عن التشتت، وليس من المستحسن في ظل الظروف الإصلاحية الحالية الإبقاء على أجهزة تكرس جهودها كافة لملاحقة موظف يعمل في القطاع الخاص أو أحد يريد أن يزيد من دخله بطرق مشروعة أو الفساد الإداري ما دام هناك أجهزة رقابية لها الدور نفسه، بل أكثر تخصصية، وأعتقد أن توافر التشريعات والأنظمة العصرية وزيادة الثقافة الحقوقية وسن أنظمة منطقية وواقعية وعقلانية تعد أهم ركائز تنظيم السلوك البشري وتعديله وانتشار أخلاقيات الحياة كمعتقد لدى الناس.

تعليقات 0 | إهداء 0 | زيارات 330


خدمات المحتوى


د. عبدالله الحريري
د. عبدالله الحريري

تقييم
1.00/10 (11 صوت)

Powered by Dimofinf cms Version 3.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Inc.