الثقافة الكلامية لا تؤكل «عيش» بل رومانسيات!
12-28-2011 06:31
د. عبد الله الحريري
الأقوال عندما لا تتوافق مع الأفعال فهذه حالة غير صحية، تؤدي بالإنسان إلى الانفصام النفسي والاجتماعي، وتجعله في حالة من الصراع بين ما يتفوه به من عبارات جميلة رومانسية لخلق عالم خال من التجاوزات والسلبيات وبين دوره الحقيقي في هذا العالم، وهل هو فعلا يمارس تلك الأفكار دون أن يشاهده أحد وبعيدا عن الأنظار المادحة؟
الشخص عندما ينتقد الآخرين حول الفساد يجب ألا يكون فاسدا، وألا يبحث عن مبررات ومخارج لأي فعل يقوم به، وفيه شبه فساد، وإذا انتقد الإنتاجية، فلا بد أن يراجع نفسه، ويرى هل هو إنسان منتج أم لا، وعندما يطالب بالديمقراطية والحرية، فلا بد أن يمارسها مع نفسه وفي إطاره الأسري والاجتماعي، وإذا انتقد عدم تحضر الناس في قيادة السيارات فلا ينبغي أن يقوم بالتجاوزات المرورية. في الجمعة الماضية وفي أحد أحياء مدينة الرياض خرج عدد كبير من المصلين بسياراتهم معاكسين شارعا كبيرا اختصارا للمسافة، فماذا نسمي هذا السلوك، وإذا كان اعتقاد الإنسان بالدين والعبادة لا تمنعه عن هذه الممارسات، فهذه قمة الانفصام ما بين العبادة والسلوك الواقعي. الإنسان منا يمد لسانه شبرين من كثرة ما ينتقد الآخرين، وينصحهم في الاستراحات والتجمعات وينتقد أجهزة الدولة وهو أحدهم، وكأن الدولة مجتمع من كوكب آخر، وليس نحن الدولة، ومن نعقد الناس في إجراءاتهم، ولا نخلص في أعمالنا أو على الأقل نحلل الرواتب التي تأخذها.
نحن شعوب حياتنا وثقافتنا كلامية ونتغنى بأمجاد الأجداد، و»لا نسوي ربع اللي سووه»، ونضيع وقتنا في أمور تافهة أولها الشائعات التي نتناقلها ونحولها إلى قصص مكذوبة ثم نصدقها ونرى أن أهميتنا ودورنا في المجتمع يكمن في الكمية والقدر الذي تستطيع نقله من الكلام وبث ثقافة الشك والتشكيك في النوايا.
عندما يصل الإنسان إلى مرحلة أنه يعرف في داخله أنه كاذب وغير متحضر، ولا يحترم حقوق الآخرين وأكثر الناس خرقا للأخلاقيات، ويتحدث عن تلك الأمور بأنها موجودة لدى الآخرين، وليست به فهذه مشكلة نفسيه معروفة تسمي «التكوين العكسي والإزاحة»، وهي دفاعات نفسية لا شعورية إذا استمر الإنسان عليها سيقع لا محالة في المرض والصراع النفسي.
نحن نتكلم بأن على الدولة أن تحسن الدخول، وتدفع الأموال من أجل رفاهيتنا، وفي نفس الوقت لا نعرف ماذا نقصد بالرفاهية وحدودها ومستوياتها، وهل هي في أن أشتري سيارة فخمة وأبني فلة كبيرة، وأوزع جوالات على كل أهل البيت، وأن أشتري كل ما هب ودب من الأشياء التي لا لزوم لها أم هي العدالة والمساواة وعدم الظلم وممارسة العبادات والإخلاص وعدم الصرف غير المبرر.. إلخ من المفاهيم التي تحقق الرفاهية، ولو سألنا أنفسنا قبل تلك المطالب هل لدينا كأفراد وأسرة ميزانية تفصيلية سنوية وأهداف سنوية واستراتيجية مكتوبة ومحددة بأطر زمنية ومكانية وإمكانات متاحة؟ وما سياستنا الخاصة والأسرية في الادخار والاستهلا؟ أعتقد أن المواطنة الصالحة والوطنية الصادقة تتمثل في الدور الحقيقي الإيجابي بالأفعال وليس بالأقوال.
«إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم»
|
خدمات المحتوى
|
د. عبدالله الحريري
تقييم
|