الحب المشروط
12-28-2011 06:47
د. عبد الله الحريري
تخيل كما يقال في قصص الخيال أن عندك مطبخا سحريا يطبخ أي شيء تتمناه من مأكولات وبالتالي فإن ذلك المطبخ سيوفر لك كل ما تريده من أكل وكل ما تحب من أنواع الطعام والمشهيات والمقبلات .. إلخ، وفي الوقت نفسه لك الحرية أن تدعو من تحب وتفتح لهم الموائد حسب طلبهم ويستمتعون معك بما يعده ذلك المطبخ.
وفي يوم من الأيام وأنت تفكر ماذا تختار من الأكل, طرق باب بيتك أحد الغرباء وقال لك إنه يملك أي نوع تشتهي من "البيتزا" وإنه يستطيع أن يقدمها لك مجانا ولكنه في المقابل يشترط عليك أن تطيعه وتسمع كلامه وتوافق علي شروطه إذن ما هو ردك على ذلك الغريب وأنت في الوقت نفسه تمتلك مطبخا سحريا قد يجلب لك أكثر مما تتوقع من أنواع البيتزا؟
المنطق والعقل يقولان نتوقع منك أن تقول له شكرا فلدي الكثير من قوائم البيتزا وغيرها التي يطبخها مطبخي السحري.
من ناحية أخرى تخيل العكس وأنك لا تملك ذلك المطبخ السحري وأيضا لا تملك المال وأنت جائع وطرق بابك الغريب صاحب العرض المجاني للبيتزا وقدم عرضه لك مقابل أن تطيعه وتسمع لكلامه وتوافق علي شروطه وسوف يقوم بتقديم ما تريد من البيتزا لك يوميا وبدون مقابل !!
ثم وافقت على عرضه وقدم لك تلك الوجبة الشهية اليوم الأول ، وجاء اليوم الثاني وأنت متوقع الوجبة الشهية وعندما تأخر زاد قلقك وأصبحت تذهب وتجيء داخل البيت وأنت تنتظر وبدأت أفكارك تقول لك يمكن أن يأتي ويمكن ألا يأتي وهكذا أصبحت في حالة من الإحباط والقلق لأن مصير جوعك بيده.
تخيل بعد هاتين القصتين المتناقضتين أن نضع مكان البيتزا أو الوجبة المهمة لك "الحب" ألا تعتقد أن الحب في هذه الحالة يصبح مشروطا وأنه إذا أصبح مشروطا سيجعلك متمحوراً حوله ويصبح قضيتك اليومية وأن أي نتائج غير مرضية من سلوك المحبوب أو نتيجة لهذه العاطفة المهمة سيجعلك قلقا ومحبطا ثم مكتئبا.
وفي ضوء ذلك فإن علماء النفس عندما درسوا موضوع العلاقات الإنسانية وتحول تلك العلاقات من إطارها التلقائي الاختياري إلى الإطار المشروط والمفروض وجدوا أن النتيجة هي خلق نوع من الصداع العاطفي والانفعالي بين الشارط والمشروط وأن ذلك الصداع في الغالب يؤدي إلى انفصال العلاقة وظهور الكثير من الأفكار والتفسيرات والتأويلات غير المنطقية وغير العقلانية وأيضا سوء الفهم المتكرر وبالتالي انفصال أي علاقة تقوم على مثل تلك السلوكيات حتى وإن كانت في بداياتها حميمة وقد تتطور علاقات الحب المشروط إلى نوع من العدوان تجاه الآخر وظهور الكثير من إضرابات التفكير كالشكوك والتوجسات والاتجاه إلى التملك وكتم الحرية.
|
خدمات المحتوى
|
د. عبدالله الحريري
تقييم
|