السجن.. كحلناها فأعميناها!!
12-10-2011 06:05
اليوم لا يختلف اثنان في أن السجن أفضل بيئة للعدوى الصحية والاجتماعية والنفسية، فالأمراض الوبائية والفيروسية لن تجد أفضل من السجن كبيئة للانتقال فضلا عن تعلم السلوك الإجرامي والعادات السيئة التي لن تجد أفضل من السجن كبيئة للاكتساب حتى أن بعض السجناء يعودون إلى السجن سواء في السجون العامة أو السجون الخاصة بدور الملاحظة بسبب جنح وجرائم اكتسبوها أثناء إقامتهم الأولى في السجن.
لن تجد الأفكار الخاطئة والسلبية والمرضية أفضل من السجن لتبنيها وجعلها جزءا من الثقافة المعرفية للسجين وجزءا من تفكيره.
منذ أكثر من أربع سنوات قرأت في دراسة تتناول السجون في أوروبا أكدت أن السجن من أفضل البيئات لانتشار الأفكار الخاطئة والأمراض في أي مجتمع، وأنها لم تعد مكانا للإصلاح والتقويم بقدر ما هي بيئة للمرض والعدوى. بالمقابل فإن العدل في أي مجتمع هو مسألة نسبية فليس كل من يحكم عليه بالسجن مذنب وليس كل من يسجن يستحق هذا القدر من أيام سجنه بما يتوازى مع الفعل الذي قام به، وليس كل من حكم عليه بالسجن ولد مجرما وليس كل من يحكم عليه بالسجن خلفه ظهر يسنده أو واسطة تدعمه وتخفف عليه. وما نراه جرما ونقدره بقدر معين قد يراه آخرون العكس أو بنسب أقل أو أكثر، وكثير من المساجين هم ضحايا لأناس خارج السجن يتمتعون بالحرية، وكثيرا من المساجين أيضا هم ضحايا التغرير والتضليل من أفراد قدموهم كبش فداء لمخططاتهم ورغباتهم غير السوية.
كثرة افتتاح السجون في أي بلد دليل على خلل واضح في وقاية المجتمع من الأخطاء أو الجرائم، وخلل في البحث عن بدائل للعلاج وخشية وعجز عن إيجاد الحلول وإذا أخذنا في الاعتبار أن العدل ليس عملية قطعية وإنما هو عملية نسبية لتطبيق العدالة والإنصاف بين الناس، وأن هناك الكثير من الأهواء والاتجاهات والميول التي قد تشوش عملية تطبيقه، فمن الأفضل ألا نقسو في التطبيق بالسجن وكأن المحكوم عليه من الشياطين ومن هم خارج السجن ملائكة لا يخطئون.
من الخلل في ممارسة السجن كعقوبة وحيدة أنه قد يوجد أناسا أبطالا وهم ليسوا كذلك، فلو تمت مواجهتهم بالمنطق والعقل والمناظرة الواقعية والعقلانية لما أصبحوا كذلك.
اليوم نعيد ما طرحناه أكثر من مرة حول الحد من افتتاح السجون والدعوة لاستبدال عقوبة السجن بعقوبات بديلة كالخدمة العامة واستحداث بدائل تعزيرية تواكب العصر وتعدل السلوك وأن تكون تلك العقوبات حسب التخصص للمختصين والخدمات العامة لغيرهم، ويمكن للمشرعين إعداد قوائم لمثل هذه العقوبات وتقديمها للقضاة، بشرط ألا تكون متعارضة مع حقوق الإنسان وكرامته وإنسانيته التي كفلها ديننا ـ ولله الحمد.
|
خدمات المحتوى
|
د. عبدالله الحريري
تقييم
|