السجن .. المعادلة الصعبة
12-28-2011 06:54
د. عبد الله الحريري
هناك معادلة طردية تقول إنه إذا غاب الدور الإرشادي والإصلاحي والوقائي المنظم سواء عن طريق المؤسسات الحكومية أو مؤسسات المجتمع المدني التطوعي فإن أي بلد سيتجه نحو فتح المزيد من السجون للحاجة الأمنية لها وهذا بدون شك أمر منطقي وواقعي وعقلاني فكثرت السجون ليست ظاهرة إيجابية في المجتمعات المتحضرة وهي بالمقابل ليست صحية وإصلاحية كما يتوقع منها وهي نتاج لأخطاء اجتماعية وفردية ويراد منها كتم الحرية للمذنب في إطار ضيق حتى يعتبر من لا يعتبر، إلا أنها في الحقيقة تشكل عبئا حكوميا واجتماعيا وتوجه المجتمع نحو نظرية العقاب وسلبية الوقاية والإصلاح بين الناس وتعديل سلوك البشر بالطرق النفسية والاجتماعية والأعراف والتقاليد ولجعل بعض المؤسسات القابضة والأمنية تنشغل بأمور أخرى بينما يجب أن تنشغل للتفرغ للأمن الوقائي ومفهوم الأمن الشامل الغذائي والصحي والاجتماعي...إلخ، وسيطرت ثقافة العقاب والسجن مقابل العدل والرحمة وتعديل السلوك من خلال البدائل المعروفة يصبح المسؤول أكثر ميولا لإزاحة أي مشكلة عن كاهلة إلى السجن، كون الأمور الوقائية والإرشادية والبدائل تحتاج إلى جهد وفكر. ونحن لسنا مجتمع ملائكيا، فالقضايا الجنائية وغير الجنائية تكثر مع ازدياد عدد السكان والضغوط الحياتية مثلنا مثل أي مجتمع آخر، وعلم النفس الجنائي درس موضوع الجريمة وأوضحت الدراسات أن بعض الأفراد الذين يرتكبون الجرائم وبشكل متكرر يعانون من اضطرابات في الشخصية فهناك ما يسمى الشخصية السيكوباتية ومن لديهم خلل في بعض مناطق الدماغ ولكنهم كما ذكرت قله مقارنة بعدد السكان ويجب أن يدرسوا في مجتمعنا ويتم فرزهم عن بقية السجناء لأنهم يحتاجون إلى وسائل علاجية وطريقة معينة للتحفظ وتعديل سلوكهم عليها. ويجب ألا نعامل الناس سواسية ونكرس مفهوم ثقافة التجريم فليس كل إنسان يولد وهو مجرم وليس كل إنسان يرتكب خطأ يجب إن يسجن وليس من يخطئ يمكن سجنه فهناك أمور قد تحول دون دخوله. إذ لا يمكن أن نطبق مبدأ العدل على السجن كمفهوم؛ والسجن من أسوأ الأماكن غير الصحية فهو أفضل بيئة لنقل الأمراض سواء فيروسية أو بكتيرية وليس كل من يدخل السجن يفحص فقد يكون حاملا لفيروس خطير كالإيدز أو الالتهاب الكبدي الفيروسي، والسجن أفضل بيئة للإدمان والدخول لعالمه، والسجن أفضل بيئة للأمراض النفسية والعقلية والاعتداء الجنسي وتنامي الحقد على الآخرين والمجتمع وهو أفضل بيئة للتفكك الأسري المنظم، لماذا لا نساعد ونرشد ونحمي الناس من أنفسهم ونركز على هذا المبدأ الوقائي ونساعد من لديه دوافع غير طبيعية للخطأ والجريمة ونتدخل قبل وقوع أي كارثة ومشكلة، لماذا لا نقدم بدائل غير السجن ولا نفكر إلا في السجن فالبدائل أقل ضررا وأكثر تعديلا للسلوك ما دام السجن هو الحل كما يعتقد البعض أم مازلنا نخاف حتى من البدائل ووجع الرأس ونفضل أن نرميه بين تلك الحوائط من مفهوم أبعد عن الشر وغني له والسجن خير مؤدب!!!
وأجزم أن أي واحد من العاملين في مجال الضبط والحكم بالسجن سيقوم بالمستحيل حتى لا يدخل أحد أقاربه أو أعزائه إلى السجن.
ألا تعتقدون أن السجن أصبح معادلة صعبة لا نعرف كيف تحل؟!
|
خدمات المحتوى
|
د. عبدالله الحريري
تقييم
|