الصحة ليست مجرد غياب المرض
12-28-2011 06:58
د. عبد الله الحريري
كانت الصحة تعرف سابقا بأنها غياب المرض، وفي منتصف السبعينيات اتخذ تعريف الصحة منحى شموليا وتعتبر الصحة في الوقت الحاضر مقسمة إلى أقسام رئيسية هي: الصحة البدنية، النفسية، العقلية، الاجتماعية، الروحية، الوظيفية، والمهنية، وحسب تعريف منظمة الصحة العالمية فإن غياب المرض في حالة وجود مشكلات في أي قسم من الأقسام التالية لا يعد صحيا أو تعريفا للصحة.
لقد اختزلنا في المملكة مفهوم الصحة بالتركيز على قسم من أقسامها وأيضا حددنا مسؤولية الصحة في وزارة الصحة وهي جهاز إداري من منظومة أجهزة إدارية أخرى مسؤولة عن الصحة وحملنا ذلك الجهاز مسؤولية الصحة من الألف إلى الياء، وعلى ضوء ذلك وقعنا في المحظور، وكما وصف الدكتور غازي القصيبي قضية التميز غير المقصود للمهنة كون الإنسان عادة ما يتحيز أو يميل أو يركز على ما ينتمي إليه أو ما يعتقده وهذه قضية لا يختلف عليها اثنان.
ما دمنا نسير في اتجاه واحد لمفهوم الصحة وحسب المعتقدات الشخصية للقائمين عليها فإن أول المتضررين وزارة الصحة أمام المجتمع، فالمريض عندما يكون مريضا نفسيا على وجه التحديد يريد علاجا وتقاس العملية على جميع الأمراض والاضطرابات وسيطالب بسرير لعلاجه فالمرض لا يؤجل وسيضغط من يعاني المرض بكل ما أوتي من وسائل وقوة للحصول على العلاج سواء من خلال العيادات الخارجية أو أقسام التنويم وهذا حق من أبسط حقوقه على الوطن وعندما أتطرق للجانب النفسي والاجتماعي فإن المملكة تراجعت كثيرا في تلك الخدمات كمفهوم، وأصبح ما يقدم من خدمات نتيجة لردود أفعال وبأسلوب إدارة العناية المركزة، فمن يخطط وينفذ عادة ما يكون من أصحاب المعتقدات الإدارية الشخصية والانتماءات لما يسمى بالتخصص أو المهنة وبعضهم من محتكري اللجان ويخططون نيابة عن الآخرين ما زالت مشكلة التمركز حول الذات وتضخم (الايقو) أو الأنا هي الأبرز في تصرفاتهم و هي التي قادتنا إلى اختزال مفهوم الصحة في المرض وأن المشكلات النفسية والاجتماعية يجب أن تكون مرضا جسمي المنشأ والوراثة والولادة وعلى ضوء ذلك فالطبيب هو من يجب أن يقرر التشخيص والعلاج والتأهيل والصيانة والتشغيل، أما الإخصائي النفسي والاجتماعي وإخصائي العلاج بالعمل والممرض النفسي فهؤلاء بالطريقة السعودية أقل من المستوى وخريجي كليات أدبية ويجب عليهم الوصاية وليس لهم مرجعية حتى الآن إلا ممن لا ينتمون إلى تخصصاتهم.
منذ أكثر من عشرين سنة كانت التخصصات النفسية أكثر تقدما على مستوى المفهوم والممارسة لدرجة أن أغلب الأنظمة الصحية والمدنية صنفت ووصفت المهن النفسية بشكل متقدم عن أغلب الشعوب العربية ولم تقتصر على الجانب الصحي بل شملت الجانب الجنائي والصناعي والإرشادي والصحي.. إلخ. وفي ظل ذلك التراجع غير المبرر علميا ومنطقيا نحن الآن نجني تلك الثمار على هيئة مشكلات متعددة تشكل خطرا على الأمن بمفهومه الشامل وتدني مستوى أداء العنصر البشري وكفاءته.
|
خدمات المحتوى
|
د. عبدالله الحريري
تقييم
|