المدير "العلة"
12-29-2011 07:41
د. عبد الله الحريري
يحكي لي أحد الأصدقاء أن أحد المديرين الذين يعمل معهم "علة لا ينقاد ولا ينساق"، فقد ضُرب به المثل في عدم تقبل الإصلاح والتطوير والتمسك بالأنظمة بطريقة وسواسية والمبالغة في وصف نفسه بالنزيه، وأنه مؤتمن على الكرسي الذي يجلس عليه لدرجة التطرف والخوف والقلق، مما أثار لدى موظفيه روح القلق والخوف والتوتر والركود وعدم الإبداع والطفش من العمل، وضرب به أيضا المثل بعدم قناعته بالتغيير وإعطاء الآخرين فرصة لإقناعه بأفكارهم وخططهم، ويعتبر ذلك نوعا من الخروج عن المألوف والهدر وضياع الوقت، "يلت ويعجن" حتى يصدر القرار الذي يعتبر ولادة متعسرة قد تحتاج إلى عملية قيصرية، وعندما يضع القرار "يعجن كعجينة الفلاحة يلت ويعجن"، وأخيرا يتنفس من حوله الصعداء ليدخلوا في مرحلة جديدة من الإجراءات التي تجاوزت جميع المدارس البيروقراطية، ثم يبهر طبخته ببهارات الحرص على المصلحة العامة، وأن النظام نظام مقدس، وأنه وضع من أجل الحفاظ على ممتلكات الوطن، وأنه يخاف الله.. إلخ من الشعارات والمعتقدات، وعندما يرفع عليه من هو أرفع منه منصبا ليصبح حملا وديعا لديه الاستعداد والحلول التي تؤمن الحماية والترافع والادعاء والدفاع عن وزارته من باب الغاية تبرر الوسيلة، وما دام ولي أمره الذي هو رئيسه يريد ذلك فكل شيء يذلل من أجل سعادته ومعاليه، المهم أن يكون راضيا عنه وأنه يملأ الكرسي الذي يجلس عليه بالخوف والقلق والمزيد من التحفظ والتحوط، ولا يمنع أن يكون وسواسيا في إدارته، قهريا في قراراته ما دامت (تصب) في المصلحة العامة.
التاريخ يشهد لكثير من هؤلاء المديرين أنهم خرجوا ودخلوا دون أي بصمات تطويرية، وكانوا أفضل مَن مرّ على التاريخ في الجمود وحسن أساليب وطرق تعقيد الأمور وحبهم المفرط لتطبيق نصوص الأنظمة واللوائح، وأن مجرد البحث في روح تلك الأنظمة أو تطويرها يعتبر تجاوزا ومخالفة "يمكن وربما ولعل وسوف وأن وأخواتها" تؤدي للمساءلة، لذا يجب ألا يتم تجاوز تلك النصوص من باب سد الذرائع، ومن باب أيضا الباب اللي يجيك منه الريح سده "واستريح"، وامشي عدل يحتار عدوك فيك، وخليك بجنب الحيطة، ومن ذل سلم.. إلخ. من البناء المعرفي الذي يكرس عدم الإقدام مقابل تفضيل الإحجام وتعزيز الشكوك في الآخرين، وعدم الثقة فيهم، وأنهم أعداء وأن مهمتهم في الحياة تصيد أخطاء صاحبنا لدرجة الشعور بالاضطهاد والتشكك في النوايا، وتصوير الأمور كساحة القتال والمنافسة والصراع، لذا فإنه يسلك سلوك القطة في دس صغارها أو أكلهم عندما تخاف عليهم.
لذا فالتاريخ يشهد ولن يرحم مثل أولئك لما فعلوه من أفكار وسلوكيات في مؤسساتنا وما ورثوه لأجيال من الإحباط وقمع للأفكار النيّرة والمتطورة، ومن عدم استغلال أمثل للوقت والموارد المادية والبشرية، وأعتقد أن السعودية حتى تستعد لنهاية حقبة النفط يجب أن تستثمر في القوى البشرية، وأن تتخلص من تلك العلل الإدارية بقياديين أصحاء نفسيا وإداريا ومعرفيا.
http://www.aleqt.com/2008/11/24/article_167370.html
|
خدمات المحتوى
|
د. عبدالله الحريري
تقييم
|