كيف تتغلب على الاكتئاب بالطرق المعرفية ؟


كيف تتغلب على الاكتئاب بالطرق المعرفية ؟
12-25-2011 09:35

علامات الاكتئاب:
(تركتني زوجتي لأنني لم أكن جيدا معها بالقدر الكافي، ولن أستطيع البتة أن أسيّر أموري بدونها)، (إن شعري يتساقط وجسمي يترهل، كما أنني أفقد جاذبيتي، ولن يهتم أحد بي بعد الآن). (إنني سكرتير بائس ورئيسي يحتفظ بي لأنه يشعر بالرثاء تجاهي لأنني لا أستطيع عمل أي شيء على النحو الصحيح). (إنني لا أستطيع أن أقوم بأي عمل في المنزل .. إن زواجي ينهار). كانت هذه أفكار نمطية لأفراد مكتئبين، وقد تبدو هذه الأفكار صحيحة ظاهريا إلا أنها تظهر في الواقع تغيرا في الطريقة التي أضحى المرء يكفّر بها عن نفسه.
وهي تغيرات في التفكير والشعور والسلوك الذي يعد سمة جوهرية في الاكتئاب، وعلى الرغم من أن التغيرات قد تحدث تدريجيا فإن المكتئب قد يُصبح شخصا غير الذي كان عليه قبل بداية المرض، وقد يكون عكس ما كان عليه تماما من قبل.
وهناك أمثلة عديدة على هذا التغيير، فهناك رجل الأعمال الناجح الذي اعتقد أنه على حافة الإفلاس، وهناك الأم المخلصة التي تريد التخلي عن أطفالها، والذواق الذي لم يعد يطيق الطعام، والشاب المنطلق الذي أصبح يتقزز من أمور الجنس وهكذا.
ويحاول المكتئب بدلا من السعي إلى المسرات أن يتفاداها ويتجنبها، وبدلا من العناية بنفسه يهمل مظهره الخارجي ويهمل ذاته، وقد تضمحل رغبته في الحياة مفسحة المجال للرغبة في الانتحاء، وتحل رغبته في الانطواء والعزلة محل رغبته في النجاح.
إن أكثر الأعراض وضوحا ونمطية هو المزاج الحزين، التشاؤم، الشعور بالوحدة، وعدم المبالاة، فالمكتئب قد يجب نفسه يبكي في موضع لا يُبرر البكاء، أو قد يعجز عن البكاء عندما يكون هناك موقف مبك حقا، وقد يصادف صعوبة في النوم أو في الاستيقاظ مبكرا في الصباح، كما أنه يشعر بالإنهاك والتعب المستمر. وقد ينام أكثر من المعتاد، وقد يفقد الشهية وينخفض وزنه، أو قد يأكل أكثر من اللازم ويزيد وزنه.
ويرى المكتئب نفسه عادة بصورة سلبية، وقد يعتقد أنه يائس وحيد في عالمه، ويلوم نفسه باستمرار لأتفه الأخطاء، وهو متشائم نحو ذاته ونحو العالم ونحو مستقبله، وهو يفقد الاهتمام بما يدور حوله، ولا يشعر بالرضا والسرور من القيام بأعمال كانت تعتبر مبهجة له في السابق، وغالبا ما يواجه صعوبة في اتخاذ القرارات وفي تنفيذها في حال اتخاذها.
وبعض الناس يكتئبون دون أن يظهر عليهم أعراض الحزن المعهودة، وقد يشتكون بدلا من ذلك من التعب، أو قد يقعون ضحية إدمان الكحول أو المخدرات، وعندما ينحدر مستوى الطلاب الأذكياء في المدرسة فقد يكون ذلك علامة على اكتئابهم، وهناك أيضا دلائل على أن الطفل المفرط في النشاط قد يكون معرضا للاكتئاب غير الظاهر خلف نشاطه المفرط.

فهم جديد توفره الأبحاث:

من الشائع جدا أن يعتقد المكتئبون أنهم فقدوا شيئا مهما جدا لهم، وعلى الرغم من أن الحقيقة غالبا هي غير ذلك، إلا أن المكتئب يعتقد أنه يخسر دوما، وأنه تافه عديم القيمة وسيئ، وغير جدير بأن نحيا، وأحيانا قد يحاول الانتحار.
وقد أيّد مشروع بحثي امتد لعشر سنوات، بدعم من المعهد الوطني الأمريكي للصحة النفسية، محاولة تفسير إلحاح هذه المشاعر على المكتئبين، وقد وجد هؤلاء الباحثين إن المكتئب يفسر كثيرا من المواقف بشكل خاطئ، فهو يشعر بالحزن والوحدة لأنه يعتقد مخطئا أنه غير مناسب ولا فائدة منه، وبناء على ذلك يمكن مساعدة المريض المكتئب بتعديل أخطاء تفكيره بدلا من التركيز على مزاجه الاكتئابي.
وقد تبيّن من دراسات أخرى أن الأشخاص المكتئبين ذوي أداء بالقدر من الجودة التي يكون عليها أداء الأسوياء في العديد من الأعمال المعقدة، بغض النظر عن فكرتهم المنخفضة عن أنفسهم.
وقد كلّف عدد من مرضى الاكتئاب في إحدى الدراسات بأداء سلسلة من الأعمال متزايدة الصعوبة، تتضمن القراءة والفهم والتعبير عن الذات، وما أن بدأ المرضى يشعرون بخبرة النجاح حتى أصبحوا أكثر تفاؤلا وتحسن مزاجهم وصورتهم عن ذواتهم، ثم أصبحوا بصورة أفضل عندما طلب منهم محاولة القيام بأعمال أخرى.

التفكير والاكتئاب

أوحت هذه النتائج بطرق جديدة لعلاج الاكتئاب، وأساليب جديدة يتمكن المكتئب بها من مساعدة ذاته. وقد تبيّن أن المكتئب يعيش باستمرار مع أفكاره غير السارة (المزعجة) وأن كل فكرة مزعجة تزيد من حدة اكتئابه، علما بأن هذه الأفكار ليست مبنية على حقائق، فهي تسبب له الحزن عندما لا يوجد مبرر موضوعي لذلك، وهذه الأفكار السلبية قد تمنع المريض من القيام بأنشطة تساعد على تحسين حالته وبالتالي فهو ينمي عن نفسه أفكارا كالكسل، وعدم المسؤولية، مما يجعله يشعر بمزيد من الأسى.

ولفهم هذا التفكير الخاطئ لنأخذ المثال التالي:
افترض أنك تسير في الشارع وقد تشاهد صديقا يبدو أنه قد تجاهلك تماما، ومن الطبيعي أن تشعر بالحزن (تنزعج) وقد تتساءل عن سبب إعراض صديقك عنك، وفي وقت آخر تذكر ذلك لصديقك فيخبرك بأنه كان شديد الانشغال في ذلك الوقت لدرجة أنه لم يُلاحظ وجودك في الطريق، وعندها تشعر بالارتياح وتزيل الحادثة عن ذهنك. ولكن إذا كنت شخصا مكتئبا فإنك على الأغلب لن تسأل صديقك عن السبب لأنك تعتقد أنك مرفوض من الصديق دون أن تُحاول تصحيح الخطأ.
إن المكتئبون يكررون مثل هذه الأخطاء مرارا وتكرارا، فهم دوما يرون الجانب السلبي من الأمور بدلا من الإيجابي ولا يهتمون بالتأكد من كونهم ارتكبوا خطأ في تفسيرهم للأحداث، وهم لا يميلون للتأكد بهدف الحسم فيما إذا كانوا قد أخطأوا في تفسيرهم أم لا.
فإذا كنت مكتئبا، فذلك لأن كثير من مشاعرك السيئة قائمة على أخطاء في التفكير، وتتعلق هذه الأخطاء بالطريقة التي تفكر بها عن نفسك وبالطريقة التي تحكم بها على الأحداث، وع ذلك فعليك أن تعرف أن لديك العديد من المهارات وقد تكون قادرا على حلّ العديد من المشاكل من قبل طوال حياتك وبإمكانك الآن أن تتعلم كيفية استخدام نطقك وذكائك لاختبار أفكارك لترى العديد من المهارات.
وقد تكون قادرا على حل العديد من المشاكل في مجالات أخرى، والواقع أنك قمت بالفعل بحل الكثير من المشاكل من قبل طوال حياتك، وبإمكانك الآن أن تتعلّم كيفية استخدام منطقك وذكائك لاختبار أفكارك لترى ما إذا كان واقعه أم لا. وبهذه الطريقة يمكنك تجنب الانزعاج والضيق في كل خبر قد يبدو لك من الوهلة الأولى غير سار، وتستطيع مساعد نفسك بالآتي:
1) التعرف على أفكارك السلبية.
2) تصحيح أفكارك السلبية واستبدال أفكار واقعية بها.

قائمة الأفكار السلبية:
كلما لاحظت أنك تشعر بمزيد من الحزن فكّر مرة أخرى لتستنبط الأفكار التي أدت إلى ذلك، فربما تكون هذه الأفكار قد طرأت لأنها رد فعل لشيء حدث منذ قليل أو أنها تذكر لأحداث قديمة، أو قد تكون استعادة لحدث قديم وقد تتضمن الفكرة واحدا أو أكثر من الأنماط التالية:

1) فكرة سلبية عن ذاتك: وهي عادة تحدث عندما تحاول مقارنة نفسك مع الآخرين الذين يبدون أكثر نجاحا وأكثر جاذبية أو كفاءة أو ذكاء، فتجد نفسك مشغولا بأفكار مثل (إنني أسوأ بكثير من فلان)، (لقد فشلت كأب)، (ينقصني الكثير من الحكمة والذكاء)، وتفترض أنك ( عديم القيمة وأن معارفك سيسرون للخلاص منك).
2) النقد واللوم الذاتي: إن سبب الحزن هو عدم التركيز على المساوئ المفترضة، فالمكتئب اليوم يلوم نفسه إذا قام بعمل ما أو إذا لم يقم به، فإذا قام به يلوم نفسه لكونه قال شيئا خاطئا، ويلوم نفسه عندما تسير الأمور بشكل سيئ، وحتى إذا سارت الأمور على ما يرام يقول لنفسه (إنني لا أستحق ذلك .. إنني تافه)، وبسبب نظرتك الضعيفة لنفسك فإنك توجه لها مطالب كبيرة كأن تكون (مربية بيت ممتازة)، أو (طبيبا لا يُخطئ)، أو (مديرا عبقرياً).
3) التفسير السلبي للأحداث: حتى الأحداث الصغيرة مثل عدم عثورك على قلم كتابة ستفسره (إن كل شيء صعب بالنسبة لي)، وستفسر كل كلمة يقولها الآخرين بأنها انتقاد لك، وقد تقرر أنهم يتفقون في السرّ على أنهم لا يحبونك، رغم أنهم يتصرفون كالأصدقاء في العلن.
4) توقعات سلبية في المستقبل: قد يستولي عليك الشعور بأنك لن تخرج من محنتك هذه إلى الأبد، أو قد تستولي عليك مشاعر سلبية كما حاولت القيام بعمل ما (إنني بالتأكيد سأفشل في ذلك). المرأة المكتئبة تتصور أنها تفسد الطبخة كلما تصورت نفسها تطبخ، والرجل يتصور نفسه مطرودا من عمله بدون دخل يعيل منه أولاده، فالمكتئب يقبل مستقبل الفشل على أنه لا فكاك منه ومن غير المجدي محاولة تصحيح ذلك.
5) إن مسؤولياتي طاغية: إن لديك نفس العمل الذي كنت تقوم به طيلة السنين السابقة، ولكنك الآن تقرر أنه لا يمكنك إنجازه تباعا أو أنه يستغرق أسابيع أو شهور وسنوات لإنجازه. إن بعض المكتئبين يحرمون أنفسهم من الراحة أو الوقت اللازم تكريسه للأمور الخاصة بسبب شعورهم بما يرونه ضغط الواجبات التي تأتيهم من كل جهة، لدرجة أنهم أحيانا يُعانون من مشاعر ضيق التنفس، الغثيان، الصداع .. إلخ.

ما عليك أن تعرفه عن الأفكار السلبية:
هناك بعض الوسائل التي تمكنك من اكتشاف التفكير الاكتئابي:
يبدو أن الأفكار السلبية فورية (أوتوماتيكية)، وهي ليست مبنية على المنطق أو ناتجة عنه، وإنما يبدو أنها تأتي أوتوماتيكيا وهي مبنية على قلة اعتبار الفرد لنفسه، والذي لا يستند إلى حقائق.
1) هذه الأفكار غير منطقية ولا تخدم أي غرض مفيد، وإنما تجعلك تشعر بالانزعاج أكبر عندما تحاول القيام بعمل ما، وإذا فكرت مليا وجدت أنك قفزت إلى نتائج غير دقيقة وبإمكان المعالج أن يريد مقدار عدم منطقية أفكارك.
2) بالرغم من عدم منطقية الأفكار، فإنها تبدو مناسبة جدا وقت حدوثها، ولذا فهي تقبل على أنها صحيحة وواقعية.
3) كلما زاد الاعتقاد بهذه الأفكار كلما ازداد الوضع سوءا، فإذا سمحت لنفسك بالانغماس في قبضة هذه الأفكار ستجد أنك تفسر كل حدث بصورة سلبية، وبالتدريج ستستسلم لكل شيء لأنك ستشعر باليأس، ولكن الاستسلام أمر خطير لأن المكتئب يفسره على أنه دليل آخر على الفشل والنقص، وبإمكانك أن تساعد باكتشاف الأفكار السلبية واكتشاف كيف أنها غير صحيحة وغير منطقية.

أخطاء نمطية في التفكير:
إن التفكير الخاطئ يؤدي إلى حدة الاكتئاب ويزيده، ومن المحتمل أنك ترتكب واحد أو أكثر من الأخطاء الآتية:
1) المبالغة: أنك تشاهد أمورا معينة بمنظار متطرف جدا، فمثلا إذا واجهتك بعض الصعوبات اليومية ظننت أن الأمور سينتهي بكارثة، وفي الوقت نفسه تقلل من مقدرتك على التعامل مع الأحداث. كما تقفز إلى الاستنتاجات بدون أية براهين ثم تعتقد أن استنتاجك صحيح. فمثلا هناك الرجل الذي استثمار ماله في شراء منزل ثم خامرته الشكوك بأن المنزل بدأ يتصدع، فاستنتج فورا أن المنزل سينهار وأنه خسر نقوده، وكان مقتنعا بعدم جدوى عمل أي شيء تجاه ذلك.
2) المبالغة في التعميم: تصريح بعبارة عامة سلبية مثل (لا أحد يعجبني)، (إنني فاشل تماما)، (لا يمكنني البتّة عمل شيء في هذه الحياة)، (إنني أخسر جميع أصدقائي).
3) تجاهل النواحي الإيجابية: إنك مهتم بالأمور السلبية فقط، ولا تتذكر غيرها، فعندما طلب من امرأة مكتئبة أن تدوّن الأحداث في مفكرة يومية، فوجئت بالأمور الإيجابية التي تحدث يوميا، ولكنها كانت تميل لتجاهلها أو التقليل من أهميتها.


خدمات المحتوى


مقالات

إعلان

Powered by Dimofinf cms Version 3.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Inc.